آراءأفريقيا

لا للتظاهر على حساب القضية الوطنية

عرفت العديد من المدن مظاهرات على إثر الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حركة حماس وما خلفته من خسائر أبرزها ضحايا مدنيين في هذا الجانب أو ذاك.

في هذه الحرب القذرة وجدنا أنفسنا نتابع مجريات حرب عسكرية وبموازاتها حرب إعلامية أكثر شراسة لعبت فيها الصورة دورا يهز المشاعر ويؤجج نار الكراهية إلى حد غابت فيه القدرة على التمييز والقدرة على الفصل بين المصالح الوطنية التي يجب الالتزام بها والحفاظ عليها، والقضايا الإنسانية الأخرى التي يجب كذلك مناصرتها عند حدود ما هو مطلوب إنسانيا من دون الانزلاق إلى اعتبارات وحسابات سياسية.

من خلال قراءة موضوعية، يتبين لنا أن خروج المغاربة في تلك المظاهرات قد أفرز لنا نوعين من المتظاهرين أناس تمت دعوتهم أو جيء بهم ليتظاهروا بفطرتهم وبإيمان، لا أقول عنه سذاجة، وهم في غفلة عما يحتفظ به الصنف الآخر من الناس الذين يؤطرون تلك المظاهرات ويتقدمونها لركوب الموج الهائج في اتجاه يخرج عن سياق الحدث وتوظيفها لاعتبارات وحسابات غير وطنية تستهدف المصالح الاستراتيجية للبلاد.

قد أتفهم التظاهر إذا كان الأمر يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية لأن الموقف الرسمي لبلادنا ثابت على نفس الحال وباعتراف أهل القضية، بل هذا الموقف غير قابل للمزايدة عليه كونه حاضر بقوة وحاضن للقضية في كل لحظة وحين، لكنني لا أستطيع إلى حد الدهشة والغرابة أن أرى اللؤم بعينه وخيانة الوطن المكشوفة من خلال لافتات رفعت لا علاقة لها إطلاقا بذلك التضامن العفوي الذي حجت إليه الجموع لنصرة القضية بعد أن نغصت الحرب الإعلامية عليها العيش وخلقت لديها الارتباك والقلق النفسي مما قد يؤدي إلى مسخ آبستيمولوجي عند المواطن المغربي لتختلط عنده المعايير وتهتز أركان أخلاقياته.

نعم إذا كان الأمر يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية كقضية إنسانية فالأمر عندئذ ليس فيه أخذ ولا فيه رد، أما أن يخرج أولئك المؤدلجون للتظاهر أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء ففي ذلك نوع من الإسفاف والانزلاق إلى ما هو أخطر قد تمتد خطورته إلى المساس بمصالح بلادنا.

قد يقول قائل أن واشنطن تدعم تل أبيب، وماذا بعد؟ ويكفي الرد عليهم أن ما يربط الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب من تعاون استراتيجي يجب الحفاظ على مكاسبه وأن الحسابات في هذا الشأن ينبغي تعييرها ووزنها ببيضة النمل.

ومن يريد أن يذهب في الاتجاه المعاكس فهو يتظاهر ضد مصالح المغرب وليس لنصرة القضية الفلسطينية بل إنه يتخذ هذه القضية، كالنظام الجزائري، مطية لمعاداة المغرب.

ولست هنا لكي أقدم إضافة بل لكي أذكر كل غافل أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم في قضيتنا الوطنية داخل مجلس الأمن الدولي.

ولها الفضل، بعد دبلوماسية ملك حكيم، في كل القرارات الأممية التي كرست الطرح المغربي، آخرها القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن تحت عدد 2703 والذي أبقت عليه واشنطن رافضة التعديل كما أرادت موسكو إدخاله على مشروع القرار لا لشيء سوى لمحاباة النظام الجزائري، وما يفسر ذلك امتناعها عن التصويت رغم رفض تلك التعديلات.

وإذا امتنع الغافلون كذلك عن استحضار هذا الوزن الأمريكي داخل مجلس الأمن، فلا بأس من التذكير أيضا أن المغرب يربطه تعاون استراتيجي بواشنطن ويتمثل أساسا في مكافحة الإرهاب على مستوى المنطقة، وهي الآفة التي تهدد دول الساحل ودول المغرب الكبير وغرب إفريقيا. وفي هذا السياق يمكن إدراج استئناف الحوار الاستراتيجي لمجموعة العمل الأمريكية المغربية حول إفريقيا لمناقشة الجهود المشتركة بين واشنطن والرباط حول تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين.

التعاون في هذا المجال بات ضروريا لأن الإرهاب، بما فيه أساسا إرهاب الانفصاليين وحاضنه النظام الجزائري الارهابي، بات يدق على الأبواب، ومن المحتمل أن يتزايد، بينما البعض منا يريد أن يشمت ويتفرج . فهدم الجسور مع الحليف الاستراتيجي وقطع الوصال معه، كما يخطط له المناوئون، بسبب قضية ما قد يكون بمثابة تعريض البلاد لزوابع نحن في غنى عنها .

ولسنا ملزمين أن نتحمل وزر قضية لا يبخل عنها المغاربة أصلا في حدود ما لهم من قدرات. ومن أراد أن يفهم نحيله على ما قاله صدام حسين يوما أنه سيحرق نصف إسرائيل فإذا به لم ينتبه فأحرق العراق وأعادها إلى العصر الحجري, ولذلك نريد مظاهرات لكن لا نريدها على حساب قضيتنا، فهي خط أحمر.

https://anbaaexpress.ma/4kwit

لحسن الجيت

كاتب ودبلوماسي مغربي سابق

تعليق واحد

  1. سلام استاذ لحسن،

    فعلا العلاقات الدولية شأن و المواقف الإنسانية و قضية القدس شأن.
    المغرب رفض ان يصنف حماس كجماعة إرهابية رغم ضغوط الأمريكية و الاسرائيلة، و كان ذلك قبل اصدار القرار الاخير لمجلس الأمن الدولي الاخير، رغم حاجته الملحة للتأييد الأمريكي.
    المغرب يضخ أموال بالملايين في صندوق القدس و لعلم الجميع المغرب اشترى 40% من عقارات القدس، و الغاية هي الحفاظ على الهوية العربية للقدس.
    و من يريد مناصرة القضية الفلسطينية أبواب المطارات مفتوحة، و تلك هي المناصرة الحقيقية إن كانوا أصحاب عقيدة، ليس بالإحتجاج ضد مصالح المغرب و وحدته و أمنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى