تعود رئيسة الحكومة الإيطالية “جورجيا ميلوني” لتونس بعد أسبوع من زيارتها السابقة، ويرافقها رئيس الوزراء الهولندي “مارك روته” ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”.
وقد قالت بأنها تحمل حزمة مساعدات من الإتحاد الأوروبي سيتم الإعلان عنها في هذه الزيارة.
الوضع الإقتصادي في تونس:
نعتقد بأن أهم أسباب الأزمة التي تعيشها، فيها تونس ناتجة عن تراكمات منذ عهود سابقة وصولا، لسنوات العشر الأخيرة، من عدم الإستقرار السياسي بين الأحزاب واختلاف توجهاتها وفي مقدمتها حركة النهضة، التي سيطرت على المشهد السياسي من خلال تسع حكومات مرت على البلاد في بضعة أشهر..
وحصدت الاغلبية في البرلمان مصدر التشريعات، مما انعكس سلبا على مسار التنمية وتحسين الإقتصاد والأوضاع الإجتماعية، بعدما كانت تونس ماقبل ثورة 2011 تشهد نمو اقتصادي واجتماعي واستقرار.
وجاءت أزمة فيروس كورونا العالمية، كوفيد 19، لتزيد من تعطيل الإقتصادي، وتوقف عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي والحركة السياحية التي تمثل مورد هام للاقتصاد في تونس، مما زاد من التضخم والباطلة.
وقد وصل التضخم في عام 2022، إلى 8.3% وفي العام الحالي إلى 11%.
إجراءات 25 جويلية حل للأزمة أم زيادة للإنسداد؟:
بعدما تأزمت الأوضاع السياسية، إنعكست على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، حيث توقف البرلمان عن أداء مهامه بسبب الخلافات والتعطيل المتعمد من الأحزاب لأعمال البرلمان.
والمحاصصات في اختيار الحكومات مما يؤكد الإبتعاد عن التوجه نحو إختيار كفاءات وزراية للعمل من أجل معالجة الإشكاليات، أصبح التركيز على المصالح الحزبية الضيقة مما أنتج صراع بين الأفكار والرؤي والبرامج في إدارة السياسات الإقتصادية ناهيك عن نظام الحكم.
حدث كل ذلك ورئيس الدولة المنتخب يشاهد ذلك الصراع والأزمات ومعاناة المواطن التونسي، وقد حصره دستور 2014 بصلاحيات محددة.
مما جعل الرئيس قيس سعيد الذي جاء إلى السلطة بتأييد شعبي كبير حيث حصل على أكثر من 72٪ من الأصوات.
أن ينحاز لمطالب الشعب في ضرورة التحرك بعد نفاذ صبره وقد رأى البعض بأنه أعطى فرص عديدة للبرلمان، والحكومة للاهتمام بمصالح الشعب التونسي دون جدوي!
وقد رأت الأحزاب التي كانت في السلطة بأن هذه، الإجراءات هي انقلاب على الديمقراطية ومحاولة للاستفراد بالسلطة.
في الوقت الذي أيدت بقية الأحزاب هذه الإجراءات ورأت فيها الحل الوحيد، ويخاف المزيد من الانهيار في البلاد.
وقد سار الرئيس قيس سعيد في استكمال إجراءات بأصدار دستور جديد وانتخاب برلمان جديد رفضته أحزاب المعارضة.
أما الإتحاد العام للشغل الذي يضم مايقارب “500.000” عضوا، وقد أيد الإجراءات الرئيس في 25 جويلية.
وقدم مبادرة لحل الأزمة السياسية والإقتصادية في البلاد لم يقبلها الرئيس، مما أدى إلى اتهام الرئيس بأحتكار السلطات، وبأن البلاد تسير نحو المزيد من التدهور، وانتقاد طريقة المفاوضات مع صندوق الدولي لربما بسبب عدم إشراك الإتحاد في المفاوضات.
تونس بين فرص الحل والتأزيم:
يبدو من الواضح أن تونس بحاجة لمعجزة لإنقاذ اقتصادها من خلال سياسات ومعالجات انخفاض احتياطيها النقدي وتوفير الأموال لشراء السلع الأساسية، لما له من اثار اجتماعية، وهذا يتطلب الاستعانة بخبرات وكفاءات اقتصادية تزخر بها تونس، للتعامل مع شروط صندوق النقد المؤلمة و التي لا خيار أمام تونس سوى القبول بها من خلال تقديم مقترحات جديدة، أو رفضها وإيجاد البدائل.
هذه الشروط تتمثل في خصخصة الشركات العامة التي يرفضها، الرئيس قيس سعيد ويرى فيها زيادة في معاناة المواطن التونسي الذي يعاني نقص في حاجياته الأساسية وانتشار البطالة وانخفاض الدخل.
ويري بعض المحللون بأن إجراءات صندق النقذ الدولي يشوبها الشكوك بل تهدف لتكبيل الدول وتعميق أزماتها على المدى البعيد.
ماوراء زيارة رئيس الحكومة الايطالية إلى تونس؟:
تعد الهجرة الغير شرعية أحد أهم انشغالات الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا التي تمثل الوجهة الأولى أو المحطة الثانية بعد دول الانطلاق.
ولقد أصبحت تونس في المرتبة الأولى التي ينطلق منها المهاجرين بعد ليبيا، حيث ازداد أعداد الشباب التونسي المهاجر مما يعرضهم لمخاطر الموت في البحار والمآسي الكبيرة.
إذا يفهم بأن هذه الزيارات المتكرر تعكس مدى القلق الأوروبي من الهجرة، والتي تضع الحكومات أمام رفض الشارع ومطالباته بوضع حد لهذه الأمواج الزاحفة نحو أوروبا.
وقد وعدت “جورجيا ميلوني” زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا التي تعهدت بوقف قوارب المهاجرين من نقاط المغادرة من شمال إفريقيا، وقد تسعى للطلب لإقامة مراكز توطين في دول شمال إفريقيا.
لذلك فإن حزمة المساعدات لتونس سوف تكون مشروطة مقابل إيقاف المهاجرين، ومن المتوقع أن ترفض تونس ذلك الطلب بقوة، ويجب أن نفهم بأن هؤلاء المهاجرين لن يقبلو البقاء في دول العبور، لأنهم يرون في أوروبا الحلم.
ولعل تلك المهمة أصعب مايكون في هذه الظاهرة العالمية والتي تحتاج لحلول ومعالجات جذرية من خلال المجتمع الدولي، نتوقع أن تحاول “جورجيا ميلوني” والوفد الأوروبي الضغط على صندوق النقذ الدولي، وتسهيل المفاوضات والإجراءات لمنح تونس القرض.
وفي ظل رؤية الإتحاد الأوروبي، بضرورة مساعدة تونس التي ترتبط بعلاقات مع الإتحاد الأوروبي وأن تراجع التعاون طيلة السنوات العشر، لذلك سوف يسعي الإتحاد الأوروبي لدعم تونس لحل، أزماتها لايجاد الإستقرار والأمن في المنطقة، وبمثابة دعم للرئيس قيس سعيد في توجهاته بعد التصريحات الأوروبية فيما يتعلق ببعض الإجراءات التي قام بها ؟!