الحراك السياسي في إحدى عشرة محافظة عراقية من أصل ثمانية عشرة، يعطينا المؤشرات بأن نتائج الانتخابات النيابية المزمعة في نوفمبر القادم لن تُحدث تغييراً سياسياً بغياب الفاعل الدولي. تقاطع البيانات المتوفرة يُبيَّن أن عدد المرشحين الفرديين في هذه المحافظات معدوم أو منخفض (0 – 2).
هذه المحافظات تشهد أيضاً عدداً مرتفعاً من التحالفات السياسية. وصل إلى تسعين تحالفاً لحدِّ هذه اللحظة. تمتلكُ هذه الإحدى عشرة سمات محدَّدة يمكن إيجازها بأنها تشهد “صراع حزبي، سوء في إدارة الخدمات، عدم استقرار سياسي، تعدد الجهات الماسكة للسلاح خارج سُلطة الدولة، و تخادم سياسي”.
ستة محافظات من أصل السبعة الباقية تميَّزت بعدد تحالفات سياسية منخفض. تحديداً ستة و عشرون. نصفُ هذه المحافظات الستة يحتاجُ توافقاً سياسياً مثل نينوى و كركوك، أمّا نصفهُا الآخر في محافظات إقليم كردستان العراق فهو “محجوز سياسياً” لأحزاب معروفة سلفاً مثل الديمقراطي و الاتحاد الكردستانيين.
محافظة واسط فقط فريدة في التصنيف، لأنها تمتلك ( 9) مرشحين فرديين، 3( أحزاب) فقط، و بواقع (8) تحالفات. هذه الفرادة ناتجة من تجربة محافظ واسط محمد جميل المياحي الذي استقال بعد فاجعة حريق “مول الكوت” الذي أودى بحياة العشرات من العراقيين.
شكل المياحي كسياسي مستقل استطاع تقديم خدمات أفضل من سابقيه المنتمين إلى جهاتٍ حزبية، فرض على الأحزاب في واسط ممارسة اللعبة الانتخابية تحت يافطة المرشحين الفرديين. لكن الهدف الأساس هو تضييق المساحة على أي مرشح فردي يود أن يكون السائق لا المقود.
شباب 2014
السياسي العراقي مشعان الجبوري، توقع أن يصل عدد المرشحين المستبعدين من انتخابات نوفمبر القادمة إلى (400) شخص. هذا العدد المتوقع يُقارب عدد المستبعدين في 2014 الذين بلغت أعدادهم (442) مُرشحاً. عدد المرشحين في انتخابات نوفمبر 2025 بلغ حالياً (7926). لم تُسجِّل سوى انتخابات 2014 هذا العدد الكبير من المرشحين (9040).
عدد المرشحين في انتخابات 2006 (7655) هو الأقرب فقط لعدد المرشحين في 2025. انتخابات 2021 فقط هي من سجَّلت عدد المرشحين الأقل (3227) في تاريخ الانتخابات العراقية. هكذا، نستطيع أن نُعطي عنواناً عريضاً لانتخابات نوفمبر القادمة بالقول “انتخابات تأسيسية”.
انتخابات 2021، سجَّلت بدورها ارتفاع مد المال السياسي في الانتخابات العراقية. لكن موجة المال السياسي في 2021 لا تعدو سوى كونها مويجة في انتخابات 2025، إذ وصلت تكاليف شراء المرشح و تشذيبه جماهيرياً إلى (5) مليار دينار عراقي لحين إيصاله إلى قبَّة البرلمان، بحسب تصريح رئيس إحدى الأحزاب العراقية.
محمد شياع السوداني رئيس الحكومة الحالية، استطاع بفضل ذلك انتزاع مشيخة “السوابرة” السياسية إذا جاز التعبير من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي. لفظة “السوابرة” مشتقة من تصنيف الأكاديمي العراقي سيف السعدي لأنواع المرشحين العراقيين، منها تصنيف السوبر الذي يبلغ سعره (1.5) مليار دينار عراقي.
إضافة إلى تعبير “أبو السوبرية” الذي استخدمه السياسي يزن مشعان الجبوري، لوصف وزن المرشحين في ائتلاف السوداني الانتخابي. طبعاً، المال السياسي للمالكي أكثر احترافاً في اكتشاف الجيوب الأكثر اتساعاً و الأقل التصاقاً ببنطال المبادئ السياسية للحزب الذي عاشت فيه.
استراتيجية مشتركة بتكتيكات مختلفة
يبقى لنا أن نقترح إجابة على السؤال التالي: ما الهدف من الصراع على مشيخة “السوابرة” السياسية؟
السياسة المشتركة لجميع اللاعبين السياسيين، سواء أولئك المنتمين إلى “الخط السياسي الأول” مثل المالكي، أو الثاني مثل السوداني، تتلخص بالسيطرة على البيئة السياسية في عموم العراق. قلب هذه السيطرة يتعلق بإحكام السيطرة على المليشيات الإيرانية.
معارضة المالكي لدمج هذه المليشيات في مؤسسات العراق الأمنية و العسكرية مؤقت لا دائمي. هو يريد فقط أن لا ينجح السوداني المتحالف مع قيس الخزعلي زعيم مليشيا عصائب أهل الحق بفعل ذلك الآن، لأن ذلك سيعني إعادة ترتيب العملية السياسية على مقاس الاثنين.
التغيير الوحيد الذي من الممكن أن تلعبه الانتخابات القادمة، هو تطبيق قانون الأحزاب العراقية رقم 36 الذي يمنع مشاركة المجموعات المسلَّحة ذات الواجهات السياسية. المد المرتفع لاستبعاد المرشحين الانتخابيين يشي بأن تطبيق قانون الأحزاب بات ممكناً إن لم يكُن حاجة سياسية مُلحَّة.
الاحتمال الآخر هو بقاء الخارطة السياسية بالشكل الذي رسمته الأرقام في السطور السابقة. معنى ذلك تعطيل تشكيل الحكومة بعد انتخابات نوفمبر مثلما حصل بعد انتخابات 2021، تشكيل إمارات إسلامية من قبل المليشيات الإيرانية، و قوى سياسية تشبه ابراهيم الجعفري رئيس الحكومة الأسبق؛ أي كلام كثير و فعل قليل.
الفعلُ القليل بدوره سيكون بوزن العبارة الشهيرة لزعيم مليشيا العصائب التي خاطب بها مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة السابق “غلس”. الأهم لن تكون هناك أموال لبناء مُجسَّرات أو دولة عميقة تعمل كتعويذة ضد أشباح حزب البعث.