الشرق الأوسطسياسة
أخر الأخبار

إسرائيل.. تشتري التعاطف الرقمي

مهما أنفقت إسرائيل من أموال، ومهما اشترت من مؤثّرين أو إعلاميين لتلميع صورتها، فإن دماء أطفال غزة لا تُمحى بحفنة من الدولارات. والحقيقة، مهما حاولوا دفنها خلف الكاميرات، تظلّ تنزف وتصرخ في وجه الزيف..

شادي منصور

في السنوات الأخيرة، أدركت إسرائيل أنّ المعارك لم تعد تُخاض في الميدان فقط، بل على شاشات الهواتف. ومع تزايد الانتقادات الدولية لسياساتها في غزة والضفة الغربية، لجأت إلى ما يُعرف بـ«الدبلوماسية الرقمية» عبر توظيف مؤثرين وصنّاع محتوى حول العالم لتلميع صورتها وتشويه صورة الفلسطينيين.

هذه الإستراتيجية المتعددة الأوجه تجمع بين حملات مدفوعة، ورحلات ميدانية مُنظّمة، واستغلال منصّات شبابية ضخمة للوصول إلى جمهورٍ غير مسيّس.

أولاً، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملات دعائية عبر شركة أميركية تدعى Bridges Partners تحت اسم «مشروع إستير». هذا المشروع، الذي كُشف عنه في وثائق وزارة العدل الأميركية ضمن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)، موّل عشرات المؤثرين الأميركيين مقابل نشر محتوى مؤيد لإسرائيل على إنستغرام وتيك توك.

بعض التقارير قدّرت أن المنشور الواحد كان يُدفع مقابله نحو سبعة آلاف دولار، بهدف الوصول إلى الجيل الشاب الذي لم يعد يتأثر بخطاب الإعلام التقليدي. هذه الحملة لم تكن شفافة في إعلان التمويل، ما أثار جدلاً قانونياً وأخلاقياً واسعاً في الولايات المتحدة.

ثانياً، تنظم منظمات مثل Vibe Israel رحلات خاصة لصنّاع محتوى من أوروبا وأميركا إلى إسرائيل، بتمويل كامل، تشمل زيارات «انتقائية» تُظهر إسرائيل كبلدٍ حديث ومتنوّع. وتُدرج ضمن البرامج محطات في قرى بدوية أو مجتمعات عربية داخل إسرائيل، حيث تُقدَّم إليهم صورة «تعايش حضاري» يغطي على واقع الاحتلال.

إحدى هذه الزيارات شملت لقاء عائلة بدوية يعيش فيها رجل متزوج من امرأتين داخل خيمة مع الماعز، في مشهدٍ صُوّر على أنه يعكس «الحياة التقليدية»، لكنه في الواقع خُطط له لتشويه صورة الفلسطيني والعربي كرمزٍ للتخلف، مقابل صورة «الحداثة الإسرائيلية».

ثالثاً، سعت إسرائيل للوصول إلى جمهور الشباب الأميركي عبر منصاتٍ ضخمة مثل Full Send Podcast الذي يقدّمه فريق Nelk Boys الشهير.

استضاف البرنامج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة هدفها تحسين صورته لدى الجيل الجديد. لكن النتيجة جاءت عكسية، إذ واجهت الحلقة سخطاً واسعاً، وخسرت القناة آلاف المتابعين بسبب غياب أي أسئلة حقيقية حول جرائم الحرب.

لاحقاً، حاول مقدمو البرنامج تدارك الموقف عبر التواصل مع الإعلامي المصري باسم يوسف المعروف بانتقاده اللاذع للدعاية الإسرائيلية، على أمل تحسين صورتهم. إلا أنّ يوسف رفض أن يكون أداة تبييض، وفضح محاولتهم علناً، مما زاد خسارتهم الجماهيرية.

وفي مثال آخر، تحدّث شاب أميركي يملك قناة شهيرة على يوتيوب عن عرضٍ تلقّاه لتحسين صورة إسرائيل مقابل المال، لكنه رفض ونشر القصة لمتابعيه، ما كشف جانباً من محاولات الاستقطاب المالي المباشر. هذه الشهادات تتقاطع مع ما كشفه صحافيون غربيون حول اتساع «شبكات النفوذ الرقمي» التي تموّلها إسرائيل للتأثير في الرأي العام.

خلاصة القول، إن إسرائيل تخوض اليوم معركة وجودها الإعلامية على «تيك توك» و«يوتيوب» أكثر مما تخوضها في القنوات الرسمية. إنها تحاول شراء التعاطف لا كسبه، وتعيد رسم صورتها بوسائل ناعمة ومؤدلجة. غير أن الحقيقة الرقمية لا يمكن احتكارها للأبد: فكل حملة مدفوعة أو مشهدٍ مُفبرك يُكتشف سريعاً، ويؤدي في نهاية الأمر إلى نتيجةٍ عكسية.

مهما أنفقت إسرائيل من أموال، ومهما اشترت من مؤثّرين أو إعلاميين لتلميع صورتها، فإن دماء أطفال غزة لا تُمحى بحفنة من الدولارات. والحقيقة، مهما حاولوا دفنها خلف الكاميرات، تظلّ تنزف وتصرخ في وجه الزيف.

https://anbaaexpress.ma/3tv0t

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى