تقول الأساطير أن البشر كانوا بأربعة أذرع وأربعة أرجل ورأسين، وهؤلاء تسببوا في غضب الإله زيوس، فقام بفصل كل جسم إلى اثنين ذكر وأنثى، ومنذ تلك اللحظة كل نصف يبحث عن الآخر ليكتمل، فذاك هو الحب، أما الروايات الدينية فتقول إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر لتكون قريبة من قلبه، وأسفل كتفه حتى يحميها، أما برتراند راسل فيرى أن الحب هو الطريق الوحيد للهرب من الوحدة.
أما شوبنهاور المتشائم فيقول: “إن الحب ما هو إلا خدعة من الطبيعة لكي نمارس الجنس بغطاء رومانسي، أما أنا فسألت يومًا والدي عندما تفتحت عيوني على الدنيا: أبي ما علاقة الحب بالعلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة؟ فالحب شيء راقي وسامي وروحاني، والعلاقة الحميمية هي فعل البهائم؟ فتبسم ثم أجابني بعد صمت طويل: تخيلي يا ابنتي أنني أحببت أمك ولم أستطع الوصول إليها؟ سينشغل كل تفكيري على مدار الساعة بها، وسأترك عملي، وأهيم على وجهي باحثًا عن طريقة من أجل اللقاء بها، وسأبقى أتحرق ولهًا وشوقًا لها، دون أن تنطفئ تلك الجذوة المشتعلة، أما وأن الله حلل الزواج وجعله الطريق الأوحد لإقامة علاقة شرعية بين رجل وامرأة، فأنا أستطيع أن أقول لك أن العلاقة الحميمة هي تاج على رأس الحب.
بتلك الكلمات أنهى والدي حديثه معي، وأنا التي كنت أبلغ من العمر حينها ستة عشر عامًا ونيف.
لماذا نحب؟ كل من الذكر والأنثى مفطورين على ميل أحدهما للآخر، يقول العلماء: لو وضع طفلان ذكرًا وأنثى في مكان لا يوجد فيه غيرهما، وكبرا فإنهما سيستطيعان أن يتواصلا فيما بينهما وينجبان أطفالًا بشكل تلقائي، فالغريزة شيء فطري في الإنسان، كما أن الحب هو أول درجات المحبة بين الزوجين.
أما إذا كبر ونما هذا الحب، ودام سنوات وعمرًا طويلًا تحول هذا الحب إلى مودة ورحمة كما قال الله عز وجل: “وجعل بينكما مودة ورحمة”، وكلما أصاب هذا الحب العتق والقدم تجددت المشاعر بشكل راقٍ وسامٍ؛ حتى يصل الأمر بالطرفين أنهما يصبحان شيئًا واحدًا، بل يقول علماء النفس والطب الأسري إن التشابه بينهما في الشكل يُصبح ملحوظًا وملموسًا شكلًا وطباعًا وسلوكًا، ويحصل التفاهم بينهما بشكل لا يمكن تخيله؛ بحيث أنهما لا يحتاجان الكلام؛ بل تكفي نظرات الأعين، وربما خواطر النفس.
وكلما كانت العلاقة بينهما جيدة كلما كانت فترة مكوثهما معًا أطول، مما يعني حياة أفضل، سعادة أكثر، أطفالًا أكثر، وتربية أفضل، وعائلة أمتن.
يقولون إن للحب ثلاث قواعد أساسية، يطلقون عليها “مثلث الحب”، ويتكون من: الحميمية: وهي مشاعر الرغبة في الاقتراب دائمًا من الطرف الآخر، والشغف: وهي الرغبة بالعلاقة الجنسية والمشاعر الجياشة، والالتزام: ويمثل منجزات تلك العلاقة على المدى الطويل. إذًا (حميمية + شغف + التزام = سعادة دائمة).
الله خلق هذا الكون بالحب، وخلقنا لأنه يُحبنا، ولأنه يحبنا أراد منا أن نعرفه بالحب، ونتقرب إليه حبًا لا خوفًا، ورسول الله فتح البلاد وقلوب العباد بالحب، والحب استمرارية ونقاء؛ فإذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان صادق في حبه فأنت أكثر الناس حظًا، وقد قيل: الحب هو الحل الأمثل لمشاكل الإنسان على الأرض.
رزقكم الله حبًا طاهرًا عفيفًا، تحت مظلة شرع الله، يُضفي على قلوبكم سعادة لا تنتهي، يُثمر عنه أولاد صالحون يملؤون حياتكم حُبًا فوق حُب، وسعادة فوق سعادة؛ لعل الحب يغمر الأرض يومًا؛ فننعم بالسلام والأمان.