تشهد القضية الليبية مرور، 12 سنة على أحداث 17 فبراير 2011، والتدخل الدولي بزعامة حلف الشمال الأطلسي، “الناتو”، والذي أحدث إنقسام بين الليبيين بين مؤيد لنظام وبين مؤيد للثورة، وإنتشار السلاح والصراعات المسلحة بين المدن والمناطق بما يعرف بالحرب الأهلية.
وقد مرت البلاد بفترات حكم بدأت مع المجلس الإنتقالي، الذي سلم السلطة للمؤتمر الوطني في 2012 كأولي إنتخابات برلمانية تشهدها ليبيا منذ 50 عاما في 2012.
وسيطر الإسلام السياسي على المؤتمر الوطني من خلال حزب العدالة والبناء في صراع مع التيار المدني الذي مثله، التحالف الوطني، وقد أنتج ذلك الخلاف قرارات حاسمة وأهمها قانون العزل السياسي.
وجاءت إنتخابات البرلمان في 2014 والتي وجدت رفض من الإسلام السياسي مما اضطرها لبدء أعماله من خارج العاصمة طرابلس وتحديد في مدينة طبرق، وشهدت العاصمة إندلاع حرب مطار طرابلس “عملية فجر ليبيا“، وشكلت في طرابلس حكومة برئاسة “عمر الحاسي” الذي أقاله المؤتمر الوطني، وتم تكليف حكومة، “الغويل”، وفي الشرق شكلت الحكومة المؤقتة برئاسة “عبدالله الثني”.
وجاء إتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015 وتم تكليف الوفاق برئاسة “فايز السراج” والتي شهدت في عهدها حرب طرابلس في 4 أبريل 2019.
وقد شهدت توقيع مذكرتي تفاهم مع تركيا أمنية وبحرية مما افسح المجال لتواجدي العسكري التركي و المرتزقة السوريين، وإستعان الجيش بالمرتزقة “الفاغنر” بالإضافة لتواجد المرتزقة التشاديين لدي الطرفين !!
وانتهت بعد عام بانسحاب الجيش إلى مدينة سرت، وجاءت لجنة الحوار السياسي التي اختارتها، “رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم بالانابة ” “ستيفاني وليامز” بناء على قرار مجلس الأمن رقم “2510” 2020، وعلى مخرجات برلين، وتشكلت لجنة الحوار، من 75 مشاركا وعقدت اجتماعاتها في تونس وجنيف، وانتهت في 10 مارس 2021، وتم إختيار مجلس رئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وتحديد موعد 24 ديسمبر 2021 لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
إستمرار الصراع السياسي..
لم تتمكن ليبيا من إجراء الانتخابات التي كانت في 24 ديسمبر 2021، والتي سجل فيها 2 مليون و800 ألف، وتقدم لها 98، مرشح رئاسي و 5000 مرشح للمجلس النواب، وبسبب ما قيل بأنها القوة القاهرة.
فشلت المبعوثة الأممية، “ستيفاني وليامز” والتي جمعت مجلسي النواب والمجلس الأعلي للدولة في جلسات حوار لإيجاد قاعدة دستورية للإنتخابات ولكنها فشلت، وجاء المبعوث الأممي الثامن “عبدالله باتيلي” الذي بدأ جولات جديدة بين الأطراف السياسية.
ويري الكاتب والباحث الدكتور، “اسماعيل الشريف” بأن الأزمة الليبية منذ اليوم الأول اتسمت بالعنف وانتهت المعركة 2011 بسقوط النظام السابق باستخدام القوة، وبالتالي دائما تبعات تغيير الأنظمة بالقوة تترتب عليه تبعات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية، وليبيا دفعت ثمن ذلك ولكن ماعقد الأزمة وادى إلى تشعبها هو اخفاق النخب السياسية التي سيطرت على الوضع منذ أول حكومة في شهر نوفمبر 2011، وفشلها في طرح مشروع بناء دولة ليبية عصرية جامعة شاملة لكل، مستوعبة للتناقضات والإختلافات الإجتماعية والثقافية والسياسية بين الليبيين.
وبالتالي أدى غياب هذه الرؤية المشتركة بين الأطراف هو السبب في إستمرار حالة لا إستقرار، وما فاقم الأزمة للأسف هو إستغلال القوي الخارجية سواى الإقليمية أو الدولية وتدخلها في الصراع الليبي وتحالفها مع أطراف ليبية مما أدى لتقسيم ليبيا جغرافيا وإدارية وسياسيا، حتي أن ليبيا أصبحت شبه دولة منقسمة، وبالتالي الأطراف المسيطرة على المشهد فشلت في زرع الثقة فيما بينها وتأخر مشروع المصالحة، وبالرغم من الجهود الدولية عبر البعثة الأممية إلا أنا الأزمة الليبية جاءت في وقت فارق في النظام الدولي حيث يشهد إنقسام مابين الغرب وروسيا وعدم توافقها على الحل في ليبيا، سوف تأخذ المسألة وقت أطول لكي تصل ليبيا للاستمرار!!
ومن جانبه قال الدكتور “حامد الحضيري” أستاذ العلوم السياسية بجامعة سبها: بأن مايحدث في ليبيا مع مرور الوقت لا نستطيع القول أنها أزمة، بل هي قضية ليبيا، ولا يمكن حلها الا بصورة واحد من خلال تفكيك كافة القضايا الخلافية إلى قضايا خلافية صغيرة ومن تم تحل كل واحدة على حده وصولا لحل القضية الكبري وهي القضية الليبية، وأهمها العدالة الإنتقالية التي تفضي إلى مصالحة وطنية لإجراء الإنتخابات وبذلك تأسس دولة ليبية، وأرى الحل في إيجاد حوار ليبي ليبي بدل الجلوس خارج ليبيا، وليكن داخل ليييا بدل أن تكون خارجها.
كما ان إنعدام الثقة يحتاج لوجود طرف ثالث يضمن وحتي اللحظة لم يخلق جسم حيادي محلي من أجل خلق الثقة، ولذلك ننتظر الأمم المتحدة.
ويرى بأن كافة الجهود الدولية أغلبها كانت تتضارب فيما بينها، في ظل التنافس على سبيل المثال، “الجزائري المصري”، والإنفراد بالرأى والحل، ومن أجل مصالحها !، ولذلك الحل الوحيد هو ليبي ليبي.
وحول مدى إستفادة الليبيين من التجارب السابقة:
لا أعتقد بأن هناك جانب يمكن الإستفادة منه أو البناء عليه، لأن كل ما أنجز هو حلول مؤقتة وسريعة للقضية الليبية، لأن هذه المبادرات تخص الشعب الليبيين وإنما الأطراف الفاعلة التي تسيطر على المشهد !!
ويرى المتابع للشأن العام “محمد يونس”، بأن المجتمع الدولي لليبيا، أن تستقر ولا يوجد مجتمع دولي يريد الإستقرار بمفهومنا نحن، هم الآن ينظرون الي ليبيا بلد مستقر، ومصالحهم ما شية أكثر مما هم يتوقعون.
بالعكس توقع الحرب في أي لحظة، لما يشعر أي طرف دولي بتحقيق نصر عسكري عن طريق حلفايه على الأرض سيذهب إلى الحرب، أقصد يعطيهم الضوء الأخضر، هذا الهدوء نتيجة التوازنات العسكرية.
أما الصحفي، “أسامة الوافي”، يقول نحن نعيش تطورات في الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية يوميا، وندفع في ثمنها نتيجة التجاذبات السياسية والعسكرية المؤثرة على الإقتصاد و وعلى المواطن والدولة بمعني من شيئ إلى الأسواء، وأن الأسباب محليا من أجل الصراع الثروة والسلطة نزاع على النفوذ على مستوي الدولة الليبية وأيضا بين المدن والمناطق.
حاليا هناك بعض المناطق أفضل، بكثير من المناطق في السابق مثل المنطقة الجنوبية والمنطقة الشرقية نتيجة وجود الجيش، أما المناطق التي توجد بها تشكيلات مسلحة متناثرة لازالت تعاني وأيضا لم تجد الإستقرار بشكل نهائي، فالاستقرار يتحقق لعدة عوامل أهمها حتي يكون بشكل نهائي، أول عامل فيه هو العسكري الأمني ثم السياسي ثم الإقتصادي.
بعد مرور 12 عاما من الثورة هل إستوعب الليبييون حقيقة الأوضاع
أوضح الصحفي أسامة الوافي: لم يستوعب الليبيون بعد رغم أن هناك من فهم مسار الدولة وأوضاعها، ومادام يعاندون بعضهم لن يكون هناك شئ، على الرغم مايتناولونه على الإعلام والتواصل الإجتماعي لساعات وبعدها ويذهب مهب الريح.
وأبسط دليل سكوتهم على الأوضاع وهم الحل لليبيا بعدة أساليب، ولكن مانراهم هو إستمرار الحال السيئ، بل متمسكون بأيدلوجياتهم وأفكارهم وتوجهاتهم سواء كانت جوية أو قبلية ويبحثون عن مكاسب من وراء كل التطورات والأحداث!
ويري أستاذ العلوم السياسية، “مسعود السلامي”، بأن الليبيين لم يستوعب حقيقة الأوضاع التي يعيشونها منذ 2011 بكل تأكيد أن الأوضاع صعبة، ومازلنا يعيشون السلبية بكل تفاصيلها وهم خارج المشهد السياسي، ويفضلون أن يبقوا متفرجين، الوطن يسرق وينهب تستباح سيادته وممارسة للسلطة الانتقائية، وكما أننا أمام نوع من دكتاتورية الجديدة ويحدث هذا والليبييون يتفرجون ولا يحركون ساكنا، لا اعتصامات ومظاهرات سلمية ولو على مستوي المنظمات والأحزاب التي تعد هزيلة أو ورقية.
لربما هذا بسبب التأثير القبلي، لربما بسبب الادإختلافات السياسية وهذا كلها جعلت إرادة الفعل العام ليست منقوصة بل غائبة تماما، فمتي يعي الليبييون حقيقة الأوضاع وقد يصحو يوما فلا يجدوا وطننا !!
من جانبه قال المحلل السياسي الدكتور “جبريل العبيدي”: الحقيقة ليس هناك أي تطور في الحالة السياسية والتي لا تزال رهينة تدخل خارجي وصراع بالوكالة لا يزال قائما مع حالة من تقاسم المنافع الفئوية الخاصة أما على صعيد الحالة المجتمعية فهي الأخرى تحكمها حالة الاصطفاف مما عرقل أي تقدم في ملف المصالحة الوطنية.
أولا دعني أصحح التسمية، فمسببات الأزمة في ليبيا هو التسمية الدقيقة لأنها لم تعد أزمة ليبية حتى نطلق عليها مصطلح، “الأزمة الليبية” ولعل عامل الإختلاف الخارجي هو من يشكل الحجم الأكبر في الحيلولة دون إيجاد حل بين الأطراف الليبية رغم وجود أرضية مشتركة بينهم يمكن البناء عليها.
التوافق الدولي لايزال مرتبك في ليبيا، فالصراع الأمريكي الروسي منعكس تماما داخل ليبيا، فالتدخل التركي الممثل لأمريكا في مقابل التواجد الروسي من خلال فاغنر جميعها عوامل حالت دون أي تقدم في ملف خروج القوات الأجنبية المسلحة من ليبيا، تغييب وغياب أطراف الحل هو عامل آخر في الأزمة.
بدوره يري المحلل السياسي، “جبريل العبيدي” بأن أغلب الليبين استوعبوا الدرس القاسي بإستثناء القلة التي لا تزال تكابر لمنفعه خاصة، ولهذا أعتقد لا نفس ولا رغبة لأغلب الليبيين في أي احتراب جديد..!
وجاءت الإحتفالات بالذكري الـ12 للأحداث 17 فبراير وسط إستمرار الإنقسام السياسي والمجتمعي، فلم تتحقق المصالحة الوطنية والتي كلفت بها الحكومة منذ إختيارها ولم تنجزها، والتي يرى فيها الكثيرين الحل الأبرز من أجل عودة الثقة، وبدونها لا يمكن أن يكون هناك حل ليبي ليبي، في ظل مخاوف من إزدياد التدخلات الخارجية وانعكاس ذلك على ليبيا !!