حاتم العناية
تحت شعار: “منهج التزكية: بناء للإنسان وحماية للأوطان“ تحتضن مدينة فاس، أيام 12 و13 غشت 2025، فعاليات المؤتمر العالمي الخامس للتصوف الذي ينظمه المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية (IACSAS).
و يأتي هذا المؤتمر في سياق يتسم بتصاعد الأزمات الروحية والاجتماعية، حيث أكد المنظمون أن التصوف الإسلامي قادر على تقديم أجوبة أخلاقية وروحية تعزز السلم الداخلي والتماسك المجتمعي، وتدعم ثقافة الحوار والاعتدال.
ويحمل هذا اللقاء الدولي بعدا فكريا وروحيا عميقا، يعكس رؤية وطنية تسعى إلى إعادة الاعتبار للتصوف الأصيل بوصفه مدرسة تربوية قائمة على تهذيب النفس، وترسيخ القيم، والمساهمة في استقرار الأوطان في زمن تتصاعد فيه الأزمات، وتتشعب فيه مظاهر العنف والغلو والتفكك المجتمعي.
ويهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على التصوف السني الأصيل، باعتباره قوة إصلاحية لبناء الإنسان المتوازن، وتعزيز السلم المجتمعي، وصيانة الهوية الدينية والثقافية القائمة على الوسطية والاعتدال.
ويرى المنظمون أن منهج التزكية لم يعد مجرد خطاب ديني فردي، بل مشروع وطني وإنساني شامل، يربط بين التربية الروحية والتنمية المجتمعية، ويهدف إلى وقاية الشباب من الانجرار نحو التطرف أو الاستلاب الاستهلاكي، من خلال إحياء القيم النبوية في السلوك والمعاملة، وتطهير النفس من الأهواء والصفات السلبية كالكبر والحقد والأنانية.
ويؤكد المؤتمر أن مشكلات العالم اليوم، من الإرهاب إلى التفكك الأسري، ومن الأزمات النفسية إلى الانهيار القيمي، كلها ترجع في جوهرها إلى غياب التزكية وضعف البناء الأخلاقي.
ومن هنا، يقدم التصوف مشروعا عمليا لبناء الإنسان من الداخل، ليكون فاعلا إيجابيا في مجتمعه، مدافعا عن استقرار وطنه وسلامة محيطه.
ويندرج تنظيم هذا المؤتمر في سياق مغربي خاص، حيث تمثل مؤسسة إمارة المؤمنين صمام أمان في حفظ الثوابت الدينية، وصيانة الوحدة المذهبية والروحية للمغاربة.
ويشكل هذا الإطار مرجعية عليا تحمي التصوف السني المعتدل من محاولات التشويه أو التوظيف الأيديولوجي، وتعزز حضوره كعنصر توازن واعتدال في البناء المجتمعي.
وينتظر أن يعرف المؤتمر مشاركة واسعة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين من داخل المغرب وخارجه، لمناقشة محاور متعددة ترتبط بمنهج التزكية، والتصوف السني، والعلاقة بين التربية الروحية والتحولات الاجتماعية، وأدوار الصوفية في تعزيز السلم والأمن الروحي، ومحاربة ظواهر الانغلاق والتطرف والانحراف.
كما يعتبر المؤتمر فرصة لتبادل الرؤى حول دور التصوف في تجديد الخطاب الديني، وتعزيز قيم الرحمة والمحبة، والانفتاح على التحديات المعاصرة بلغة روحية قائمة على التزكية والمقاصد.
فعلم التصوف مؤهل للإصلاح والبناء، حين يجمع القائمون عليه بين علوم الشريعة وعلم الحقيقة، وبين الأصالة والمعاصرة، وبين الالتزام بالمقاصد الشرعية السامية، مع الاستفادة من تقنيات العصر واختراعاته وعمرانه.
ومن ثمة، يمكن للتصوف أن يجدد الدعوة إلى الالتزام بالسلوك القويم في الحياة العامة، لتنطلق المسيرة في سفينة نجاة البشرية جمعاء من خلال رسالة الأمة الوسط التي تدعو إلى خير وكرامة وحرية الإنسان .
فالدور التربوي والحضاري، لا ينطلق إن لم يتم إعداد أجيال واعدة مسلحة بالعلم والخبرات والتربية المتوازنة للشخصية وللنفس الزكية.
فنحن بحاجة إلى وثبة إيمانية روحية تعيد التوازن المفقود بين القول والعمل والروح والبدن، وتفتح قلب الإنسان على آفاق الروح وأنوارها، وتبعث قوتها الكشفية والذوقية بغية اكتمال صفة الإنسان.
وهذه الوثبة الروحية لا تتم إلا في إطار تربوي أخلاقي يضمن الحصانة والوقاية من كل زيغ وانحراف، ويشكل بنية تحتية أخلاقية تصلح أساسا للبناء الاجتماعي المتماسك، فتكتمل بذلك أهم شروط الأمن الروحي الذي لا مناص منه لتحقيق الأمن الحضاري.
ويعد هذا المؤتمر مناسبة متجددة لتثمين الدور التاريخي لفاس كمهد للعلم والتصوف، ولإبراز المغرب كجسر حضاري وروحي يربط شمال إفريقيا بعمقها الإسلامي والإنساني.
بارك الله في جهودهم، ما أحوج الشباب لمن يعيد إجياءهم بالشريعة، ووصلهم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.