عبدالله فضول
كلما ازدادت مخاوفنا، اتسعت الفجوة بين ما نريده وما نخشى مواجهته، واستشكلت علينا الأمور حتى بدت أكثر تعقيدًا مما هي عليه. نقترب من الحافة، لا لأننا نريد السقوط، بل لأننا نتردد في اتخاذ خطوة إلى الوراء أو إلى الأمام.
وهذا التردد المستمر ليس إلا منتهى الحيرة، حيث الأصل الطبيعي أن نمضي وفق قناعاتنا ونختار بناءً على رؤيتنا الخاصة. لكن الزمن بإيقاعه المتسارع فرض علينا إعادة النظر فيما كنا نراه ثابتًا، حتى أصبح التردد جزءًا من معادلة القرار، لا مجرد لحظة عابرة من التفكير.
هذه المعادلة جعلت الإنسان قريبًا من الحيرة، وبعيدًا عن اليقين؛ فلا هو اتخذ القرار الحاسم، ولا أحدث تغييرًا فعليًا في مساره، مما خلق حالة من التردد المستمر، حيث يبقى معلقًا بين ما يجب فعله وما يخشى تبعاته، بين الرغبة في التحرك والخوف من الخطأ، دون أن يجد في كل ذلك نقطة استقرار حقيقية.
لهذا، فمن الأجدى أن نتجاوز التردد ونتخطى العوائق التي تُكبّل خطواتنا، ونعمل على تعزيز قدرتنا على اتخاذ قرارات واعية، لا تُحكم بالخوف أو التردد.
وبالتالي، نستطيع إعادة رسم مساراتنا بثقة، ونخرج من دوامة الحيرة إلى مساحة أكثر وضوحًا، حيث يكون الفعل قائمًا على الإدراك، لا على القلق مما قد يأتي بعده.
فمثلًا، وفي إطار علاقتنا بأصدقائنا، يمكن أن نتجاوز مرحلة التردد ونعمل على بناء تواصل أكثر وضوحًا وصراحة، حيث يكون الحوار قائمًا على الثقة المتبادلة، لا على الخوف من ردود الفعل أو سوء الفهم.
يمكننا أن نكون أكثر جرأة في التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا، وأن نحدد بوضوح ما نريده من علاقاتنا، دون أن نبقى عالقين في منطقة الضبابية التي تُضعف الروابط بدلًا من أن تعززها.
وهكذا، نستطيع أن نحافظ على علاقات قائمة على الصدق والوضوح، لا على الحيرة والانتظار.
وهذا ما عبّر عنه المتنبي حين قال:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ، فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ.
فهو يرى أن الطموح والإقدام لا يتحققان إلا بالتطلع إلى الأعلى وعدم الاكتفاء بما هو سهل أو متاح، فالنجاح يتطلب الجرأة والتصميم.
وإذا نظرنا اليوم إلى واقعنا العربي، فمع الأسف، نجد أن التردد أصبح أكثر حضورًا، والوضوح أقل ظهورًا. في كثير من القضايا والمواقف، لم يعد الحسم والجرأة سمةً بارزة كما كان الأمر في الماضي، بل أصبح التأجيل والتراجع سلوكًا شائعًا، يخضع لإملاءات الحذر والخوف من العواقب.
وهكذا، أصبح الواقع مشبعًا بالمواقف الرمادية، حيث لا قرار واضح ولا موقف صريح، مما يعكس حالة من الحيرة الممتدة التي تؤثر في مختلف المجالات.
يتضح إذن أن التردد والحيرة ليسا مجرد حالات عابرة، بل ظواهر تؤثر في طريقة اتخاذ القرار والتفاعل مع الواقع.
وبينما كانت الجرأة والوضوح سمة بارزة في الماضي، أصبح التأجيل والمواقف الرمادية أكثر شيوعًا اليوم.
ولهذا، فإن تجاوز هذه الحالة يتطلب وعيًا بأثرها واستعدادًا لاستعادة القدرة على الحسم، بحيث يكون القرار نابعًا من إدراك واعٍ، لا من خوفٍ مُبهم.
* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا