سبق أن نادى كثيرون بضرورة إطلاق ثورة إصلاحية لتعزيز الحكامة والنزاهة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية.
وتوالت التقارير الوطنية والدولية التي تعرض مؤشرات لا تليق بالمملكة ولا بطموحها في أن تكون في مصاف الدول الصاعدة.
وإذا كان موقف جمعية محاربة الرشوة “ترانسابارنسي” وانسحابها من اللجنة الوطنية التي يرأسها رئيس الحكومة نظرا لغياب الجدية، قد أثار ردود فعل متباينة فإن مؤسستين دستوريتين ما فتئتا تدقان ناقوس الخطر بعرض مؤشرات مقلقة وتقارير محذرة من أضرار ومفاسد وتهديدات الفساد في قطاعات كثيرة قد تعصف بالمجهود الوطني الجبار الذي يقوده صاحب الجلالة لتحقيق الريادة والصعود للوطن قاريا ودوليا.
وهتان المؤسستان هما الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والتان تعرضتا لضغط كبير وتشكيك من طرف الحكومة وقادة الأحزاب المشكلة لها، وخاصة الحزب الأول.
غير أنهما والتزاما بالمهام المنوطة بهما والمسؤولية الملقات عليها وفق الدستور، ونظرا لتراجع مؤشرات الحكامة والنزاهة، يستمران في التنبيه والنصح من أجل تدارك الأمر بالجدية اللازمة.
وفي هذا الإطار، نظمت الهيأة بشراكة مع المجلس الندوة وطنية حول “الالتزام المواطن والمساهمة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد”.
وقد أعلن رئيس الهيأة، بشير الراشدي، عددا من الخلاصات والتوصيات والتنبيهات يمكن إجمالها فيما يلي:
– تؤكد المؤشرات الوطنية والدولية وجود عجز وتراجع مستمر في الثقة في المؤسسات، داعيا إلى الوقوف عنده بالتحليل والدراسة والالتزام المواطن.
– ما يقرب من نصف المغاربة يؤمنون بقدرة المواطنين على التأثير على مكافحة الفساد، وهو ما يستدعي العمل على استعادة الثقة في المؤسسات، لتفعيل دور المواطنين في إنجاح الأوراش المجتمعية.
– تقتضي البيئة الملائمة لتعزيز الالتزام المواطن وجود مشهد سياسي قائم على التنافس النزيه يُفْضي إلى إفراز مؤسسات تمثيلية قوية تعمل على تفعيل البرامج التنموية التي تعهدت بها أمام المواطنين.
– ضرورة وجود مواطنين واعين بدورهم لبناء مجتمع المستقبل وما يستوجب ذلك من مسؤولية وتعبئة للتصدي لمخاطر الفساد والحد من تأثيره السلبي على بناء مجتمع متماسك ومستقر.
– ترسيخ الالتزام المواطن كممارسة فعلية، يقتضي خلق بيئة ملائمة قوامها الثقة في المؤسسات، وفي نزاهة وشفافية التدبير العمومي، والحوكمة القائمة على مبدأ المسؤولية والمحاسبة.
– تعزيز دور المجتمع المدني في تطوير السياسات العمومية والمساهمة الفعلية في اتخاذ القرار، وأيضا تعبئة الطاقات الوطنية لمحاربة الفساد وتعزيز التنمية المستدامة.
– ضرورة بلورة استراتيجية وطنية متكاملة لنشر ثقافة النزاهة وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية محاربة الفساد.
أن هذا التأكيد من المؤسسات الدستورية المستقلة على النزاهة والحكامة يبين مدى حرص الدولة مبدئيا على إحداث قطيعة مع الفساد.
لكن وجب ان يترجم ذلك إلى تنزيل عملي وصارم يقابله انخراط النخب الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالجدية اللازمة حتى لا تضيع بلادنا سبيل الإصلاح والتنمية.