آراءالشأن الإسبانيسياسة
أخر الأخبار

هل سيحمي الإسبان دستورهم؟ “تحليل”

ومن المفارقات أن يشيطن المهاجرون، في وقت تشهد فيه إسبانيا نقصا ديموغرافيا حاداً و حاجة ماسة إلى من يغدي صناديق التقاعد و الحماية الاجتماعية، و قد وصل عدد الأجانب المسجلين بصناديق الحماية الاجتماعية و المساهمين إلى 15 في المائة

تستفيق إسبانيا كل صباح على وقع عناوين مثيرة و بطعم عنصري مقيت تهيمن على نشرات الأخبار و محطات الراديو والصحف، خصوصا القريبة من اليمين والتي تستثمر حادثة الاعتداء المدان على رجل مسن، و الذي من المحتمل إنه ضحية لاعتداء من طرف مهاجر أجنبي (رغم أن القضاء لم يؤكد بعد هذه الرواية)، لتغذية خطاب التخويف من الآخر و زرع الكراهية و بتعبيرات عنصرية فجة.

هذا الحدث المؤسف يتزامن مع مرحلة سياسية حساسة تعيشها الحكومة الإسبانية، التي تواجه أزمة ثقة بسبب شبهات فساد تطال بعض قيادات الحزب الاشتراكي، وسط أغلبية برلمانية هشة، و بصمود كبير من طرف رئيسها بيدرو سانشيز.

لكن الحقيقة هي أن شراسة حملة حزب فوكس اليميني المتطرف إتجاه المهاجرين عموما و مغاربة إسبانيا على وجه التحديد، هي تعبير جارف عن الحاجة الى الاستفادة من الوضع السياسي الصعب و الاستحواذ على أصوات لن يستطيع الحزب الشعبي استيعابها.

لكن خلف ضجيج الإعلام، و السياسيين والشارع، وجب أن يطرح سؤال جوهري هو:

هل سيحمي الإسبان دستورهم؟

هذا الدستور، الذي أُقر في استفتاء عام 1978، شكل القطيعة التاريخية مع مرحلة الديكتاتورية الفرنكاوية، ووضع الأسس لدولة القانون، الديمقراطية، والتعددية.

حيث جاءت في ديباجته أن الأمة الإسبانية، راغبة في إقامة العدل والحرية والأمن وتشجيع ما هو في صالح شعبها، و تعلن إرادتها في ضمان التعايش الديمقراطي، وسيادة القانون، والتأسيس لنظام اقتصادي واجتماعي عادل.

وقد نص كذلك نص الدستور في مادته 13 على أن الأجانب في إسبانيا يتمتعون بنفس الحريات العامة التي يضمنها هذا الباب طبقا لما تنص عليه المعاهدات والقانون، وفي مادته 16 أكد على حرية العقيدة والديانة وممارسة الشعائر الدينية دون قيد، إلا إذا تعلق الأمر بالنظام العام.

إن هذا الدستور لا يشكل فقط إطارا قانونيا، بل هو مشروع مجتمعي لحماية التنوع وصيانة التعايش، و قد أجمع عليه الشعب الإسباني حينها لتجاوز مراحل صعبة من تاريخه، امتدت من الحرب الأهلية التي خلفت ملايين القتلى و المهجرين و النازحين، إلى الحكم الفرنكاوي السالب للحقوق و الحريات.

وما يثير القلق اليوم هو تنامي الخطاب المتطرف الذي يتغذى من توترات اجتماعية وسياسية، في ظل صراع بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه الانتخابي على حساب قيم الدستور، و باستغلال الأحداث الفردية لتأجيج الكراهية و العنصرية.

ومن المفارقات أن يشيطن المهاجرون، في وقت تشهد فيه إسبانيا نقصا ديموغرافيا حاداً و حاجة ماسة إلى من يغدي صناديق التقاعد و الحماية الاجتماعية، و قد وصل عدد الأجانب المسجلين بصناديق الحماية الاجتماعية و المساهمين إلى 15 في المائة.

إسبانيا المهاجرة

تعد إسبانيا من أكثر الشعوب هجرة في التاريخ المعاصر، فقد هاجر ملايين الإسبان إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا منذ القرن التاسع عشر، كما فر الآلاف بعد الحرب الأهلية إلى فرنسا والمكسيك و الارجنتين و دول أخرى، وعمل أكثر من مليون عامل إسباني في الستينات بفرنسا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا.. ولا تزال الهجرة مستمرة، إذ يعيش اليوم أكثر من 2.6 مليون إسباني في الخارج.

إن اعتبار الإسبان شعباً نقياً أو مهدداً بالذوبان هو تبن صريح لخطاب عنصري يتنكر للتاريخ ، ويهدد أسس تعايشهم، و يناقض حقيقة الدولة المتعددة الهويات من الباسك و من كطلونيا..

نحو تقوية مغاربة العالم

إن تفعيل منطوق الفصل 30 من الدستور المغربي لسنة2011، الذي ينص على أنه يمكن للأجانب المقيمين في المغرب المشاركة في الانتخابات المحلية بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل، من شأنه أن يفضي حتما إلى فتح المجال أمام مشاركة الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا، والتي يتجاوز عددها المليون شخص مقيمين بشكل قانوني و أكثر من 250 ألف حاصلين على الجنسية الإسبانية، و يجعل منهم قوة انتخابية، اقتصادية و ثقافية حقيقية تحظى باهتمام كافة الفاعلين السياسيين.

وفي هذا السياق، تبرز منطقة مورسيا كمثال حي، حيث تعتبر أصوات المغاربة هناك أداة فعالة لمواجهة خطابات التطرف، كما تشكل رهاناً ديمقراطيا لا يمكن تجاهله في معادلات الحاضر والمستقبل.

كما أن تجديد وتوسيع صلاحيات مجلس الجالية المغربية بالخارج، وتقوية شبكة القنصليات المغربية، وتعزيز التربية والثقافة كجدار حماية ضد التطرف والكراهية.

السؤال الذي يظل مفتوحاً: هل سيحمي الإسبان دستورهم ويحتضنون تنوعهم كقوة أوروبية، أم سيتركون شبح الفرانكوية والعنصرية يهدد حاضرهم ومستقبلهم؟

https://anbaaexpress.ma/21h7k

مشيج القرقري

عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عضو لجنة الاخلاقيات بالأممية الاشتراكية مسؤول العلاقات الخارجية مع دول أمريكا الاثينية وأفريقيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى