أفريقياسياسة
أخر الأخبار

هجليج أولا.. توافق نفطي يكشف اختلال الأولويات في حرب السودان

ويُعد حقل هجليج من أبرز الحقول النفطية في السودان، كما يمثل عنصرًا حاسمًا لاقتصاد جنوب السودان، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على تصدير نفطه عبر الأراضي السودانية. هذا الترابط الاقتصادي، بحسب مراقبين، يفسر سرعة التوافق بين خصمين عجزا عن الاتفاق على حماية الأرواح، لكنهما نجحا في تحييد النفط عن ألسنة اللهب..

أعاد التفاهم الأخير بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برعاية من جوبا، والمتعلق بتكليف جيش جنوب السودان بتأمين منشآت حقل هجليج النفطي، تسليط الضوء على مفارقة عميقة في مسار الصراع السوداني، حيث تبدو المصالح الاقتصادية أكثر قدرة على فرض التوافق من أي اعتبارات إنسانية أو سياسية تتعلق بحماية المدنيين.

فبعد سنوات من حرب طاحنة فشل خلالها طرفا النزاع في التوصل إلى أي ترتيبات تخفف من معاناة السكان أو توقف دوامة العنف، برزت فجأة مرونة لافتة عندما تعلّق الأمر بحماية أحد أهم مصادر الدخل في البلاد.

وجاء هذا التفاهم عقب سيطرة قوات الدعم السريع، الأسبوع الماضي، على محيط الحقل النفطي، ما أثار مخاوف إقليمية من تداعيات تمس أمن الطاقة في السودان وجنوب السودان معًا.

اندلع النزاع بين الجيش والدعم السريع في سياق صراع على السلطة، لكنه سرعان ما تحول، على مدى ما يقارب ثلاثة أعوام، إلى واحدة من أكثر الحروب دموية في العالم، وسط سجل ثقيل من الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، شملت القتل الجماعي، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والعنف الجنسي، إلى جانب توظيف الحصار والتجويع كأدوات حرب.

وقد دفعت هذه الممارسات الأمم المتحدة إلى تصنيف الوضع في السودان بوصفه أخطر أزمة إنسانية قائمة حاليًا.

ورغم فداحة الكارثة، لم تحظَ المبادرات الإنسانية والدبلوماسية، بما فيها تلك التي طرحتها الولايات المتحدة ضمن إطار “الرباعية الدولية” في نوفمبر الماضي، بتجاوب فعلي من أطراف النزاع. غير أن المشهد تبدل بشكل لافت عندما لامس الصراع شريانًا حيويًا من شرايين الاقتصاد السوداني.

فقد أعلنت حكومة جنوب السودان التوصل إلى اتفاق ثلاثي يقضي بانسحاب القوات المتحاربة من محيط حقل هجليج، وتولي الجيش الشعبي لتحرير السودان مهمة تأمينه. وأوضحت جوبا أن هذا التفاهم جاء ثمرة اتصالات مباشرة أجراها الرئيس سلفاكير ميارديت مع قيادتي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بهدف تجنيب المنشآت النفطية تبعات التصعيد العسكري.

ويُعد حقل هجليج من أبرز الحقول النفطية في السودان، كما يمثل عنصرًا حاسمًا لاقتصاد جنوب السودان، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على تصدير نفطه عبر الأراضي السودانية. هذا الترابط الاقتصادي، بحسب مراقبين، يفسر سرعة التوافق بين خصمين عجزا عن الاتفاق على حماية الأرواح، لكنهما نجحا في تحييد النفط عن ألسنة اللهب.

وفي هذا السياق، رأى عمر الدقير، القيادي في تحالف القوى المدنية الديمقراطية “صمود”، أن الاتفاق حول المنشآت النفطية يكشف بوضوح أن الإرادة السياسية موجودة، لكنها لا تُستحضر إلا حين تمس المصالح الاقتصادية. ودعا إلى توجيه هذه الإرادة ذاتها نحو وقف الحرب وحماية المدنيين، معتبرًا أن أولوية الإنسان يجب أن تتقدم على أولوية الموارد.

وتتزامن هذه التطورات مع تصاعد الضغوط الدولية، حيث فرضت بريطانيا مؤخرًا عقوبات على عدد من قادة قوات الدعم السريع، متهمة إياهم بالضلوع في جرائم قتل جماعي وممارسات عنف جنسي منظم. غير أن هذه الإجراءات، رغم رمزيتها، لم تنجح حتى الآن في فتح أفق سياسي يخفف من معاناة السودانيين.

وعلى الأرض، تتواصل المواجهات العنيفة في ولايات إقليم كردفان، مخلفة موجات نزوح جديدة، وسط مخاوف متزايدة من تكرار سيناريو دارفور. وبينما يستمر النزيف الإنساني، يبدو أن حماية النفط تحظى بإجماع أسرع وأوسع من حماية البشر، في مشهد يلخص قسوة الحرب واختلال أولويات أطرافها.

https://anbaaexpress.ma/ob9jw

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى