في تصعيد مفاجئ للأزمة اليمنية، اتهمت السعودية الإمارات بدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، ودفعها لتنفيذ عمليات عسكرية قرب حدودها في حضرموت والمهرة، ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني السعودي.
وفي رد عملي، شن التحالف بقيادة الرياض غارة محدودة على ميناء المكلا لاستهداف أسلحة ومعدات قالت السعودية إنها وصلت من الإمارات إلى قوات الانتقالي، بينما ألغى رئيس مجلس القيادة اليمني المدعوم سعوديًا اتفاق الدفاع المشترك مع أبوظبي وطالب القوات الإماراتية بالمغادرة خلال 24 ساعة، في خطوة تُظهر حجم التوتر الدبلوماسي والعسكري بين الحليفين السابقين.
صراع النفوذ والقوة الإقليمية بين بن سلمان وبن زايد: من اليمن إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية
لم يعد الخلاف بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حول اليمن خلافًا ظرفيًا داخل تحالف عسكري، بل بات يعكس صراع نفوذ وقوة إقليمية بين قيادتين مركزيتين في الخليج: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، في سياق تحولات عميقة تعرفها المنطقة.
أولًا: اليمن بين منطق الشرعية ومنطق النفوذ
تتمسك السعودية، في مقاربتها للملف اليمني، بدعم الحكومة المعترف بها دوليًا، استنادًا إلى مبدأ سيادة الدول ووحدتها الترابية وقرارات مجلس الأمن، معتبرة أن أي مسار خارج هذا الإطار يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وخرقًا لقواعد القانون الدولي.
في المقابل، اعتمدت الإمارات سياسة دعم فاعلين محليين، خاصة في جنوب اليمن، مع تركيز واضح على الموانئ والجزر والممرات البحرية.
هذا النهج، الذي يُقدَّم تحت عناوين “مكافحة الإرهاب” و”الاستقرار”، يثير إشكالات قانونية وحقوقية، تتعلق بـتقويض سلطة الدولة المركزية، وخلق قوى موازية تضعف آليات المساءلة وحماية حقوق المدنيين في مناطق النزاع.
ثانيًا: التنافس الاقتصادي وصراع الزعامة الخليجية
أحد أبرز محركات الخلاف يتمثل في البعد الاقتصادي. فمع صعود محمد بن سلمان، أطلقت السعودية إصلاحات هيكلية كبرى أعادت رسم الخريطة الاقتصادية الخليجية، عبر نقل المقرات الإقليمية للشركات العالمية إلى الرياض، ومنافسة دبي في مجالات المال، الطيران، والخدمات اللوجستية.
هذا التحول أنهى مرحلة التكامل غير المعلن بين البلدين، وحوّل العلاقة إلى تنافس مباشر على الزعامة الاقتصادية والإقليمية، ما انعكس سياسيًا وأمنيًا، خصوصًا في ساحات النفوذ الخارجية، حيث تتقاطع المصالح مع هشاشة الدول وضعف مؤسساتها.
ثالثًا: واشنطن وتل أبيب وساحات الصراع المفتوحة
لا يمكن فصل هذا التنافس عن الدور الأمريكي والإسرائيلي. فالولايات المتحدة تعتمد سياسة إدارة التوازن داخل الخليج بدل حسمه، بما يضمن استمرار النفوذ الأمريكي، أمن الطاقة، وحرية الملاحة، دون تمكين طرف واحد من التفوق المطلق.
أما إسرائيل، فتنظر إلى التنافس من زاوية براغماتية، مستفيدة من تمدد النفوذ الإماراتي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ومن صعود الدور السعودي كقوة إقليمية وازنة، ما دام الطرفان يلتقيان عند أولويات أمنية مشتركة.
ولا يقتصر هذا الصراع على اليمن، بل يمتد إلى ساحات أخرى:
– السودان: تنافس غير مباشر في سياق أزمة انتقال سياسي، يطرح تحديات مرتبطة بحماية المدنيين واحترام العملية السياسية.
– سوريا: تباين في مقاربات التطبيع وإعادة الإدماج الإقليمي، في ظل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
– الصومال والقرن الإفريقي: صراع نفوذ حول الموانئ والقواعد البحرية، في بيئة تعاني من ضعف السيادة وتراجع التنمية.
ختامًا، تشهد المنطقة مرحلة إعادة توزيع للنفوذ الإقليمي، حيث لم تعد التحالفات ثابتة، بل تحكمها معادلات القوة والمصلحة.
وللإشارة، يظل صراع بن سلمان وبن زايد، رغم بقائه ضمن حدود مضبوطة، أحد العناوين الكبرى لتحولات الشرق الأوسط، بما يحمله من تداعيات سياسية، أمنية، وحقوقية على مستقبل الاستقرار الإقليمي.




