آراءأفريقياسياسة
أخر الأخبار

كيف يحق لكيان عضو في الاتحاد الإفريقي أن يطالب بتقرير مصيره

يبدو أن النظام الجزائري قد فقد البوصلة؛ فهو اليوم يطالب بتقرير المصير، وتلك المطالبة جعلته ضمنيًا يعترف بأن ذلك الكيان ليس بدولة...

يبدو أن النظام الجزائري قد دخل مرحلة من العناد غير مسبوقة، ليس مع العالم بل حتى مع نفسه؛ لا يعرف ماذا يريد، وإلى أين تتجه به حماقاته.

لقد أتعب نفسه أكثر مما أتعب غيره؛ كل مواقفه الهوجاء سرعان ما ترتد عليه، ويتفاعل مع الحدث بحسب ما تمليه عليه تلك اللحظة فقط، من دون قراءة جيدة للمستقبل، وكأن قيادة ذلك النظام ليست لها منظور، كما ليست لها أفق؛ فهي لا تعيش من أجل تدبير الشأن العام، بل من أجل تسيير شؤونها بكيفية تضمن لها البقاء في سدة الحكم.

ولأنها على هذا الحال، فهي غير ملزمة للاحتكام إلى قواعد الحكامة، وهذا هو سر تناقض مواقفها، سواء على مستوى السياسة الداخلية التي تستخدم فيها العصا والجزرة، أو على المستوى الدبلوماسي حيث يتسع المجال للارتجال ولجلد الذات من خلال الأخذ بالشيء ونقيضه في عدة محطات ومواقع تشهد كلها على حالة الارتباك التي يعيشها النظام الجزائري.

ولعل القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن الدولي 2797 كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس؛ وقد شكل هذا القرار ضغطًا كبيرًا على النظام الجزائري بفعل ما تضمنه من مقتضيات تعزّز بكل وضوح الطرح المغربي، بعد أن خرج من منطقة رمادية، أي من مرحلة سابقة كثر فيها التأويل، إلى مرحلة جديدة قطعت الشك باليقين. وتحت هذا الضغط، لوحظ ارتباك واضح في الطرف الجزائري تجلّى:

أولًا: في الخرجة الإعلامية للسيد الوزير أحمد عطاف، الذي رأيته لأول مرة يتحدث وهو لا يثق في نفسه، وغير مقتنع بفهمه الخاص، وعن هلوساته وتهيؤات جعلته يعتقد بأن القرار الأممي يشير في فقراته إلى أنه قد نصّ على التفاوض بين الطرفين، أي المغرب والبوليساريو. ولأول مرة كذلك، أرى وزير خارجية بلد يكذب بهذه البشاعة، وقد يحق فيه القول: “مجبر أخاك لا بطل”.

ثانيًا: بفعل ذلك التأثير الذي خلّفه القرار الأممي على نفسية صانع القرار الجزائري، بعد أن تبنى مشروع الحكم الذاتي المغربي، لم يجد النظام الجزائري مناصًا للتملص، في محاولة غير محسوبة العواقب، سوى الاستناد على مبدأ تقرير المصير الذي اتخذه كعكاز لمواجهة هذا المأزق، أملًا في أن يستعيد توازنه، لكن النظام الجزائري لم يتمكن من استعادة ذلك التوازن، بل إن إصراره هذه المرة، أكثر من ذي قبل، على مبدأ تقرير المصير لتفريغ الحكم الذاتي من محتواه، أظهره بأنه قد فقد الذاكرة ونسي خطاياه التي ارتكبها في الماضي، وهو يشهد عنها اليوم بنفسه.

وأبرز خطيئة ارتكبها النظام الجزائري، وهي أنه قد ساهم بشكل كبير في تأسيس ما يسمى بالجمهورية الصحراوية. كان ذلك عام 1976، بعد أن وضع مناطق من الصحراء الشرقية رهن إشارة قيادة البوليساريو لكي تقيم عليها تلك الجمهورية الوهمية.

وفي عام 1984، أقحم النظام الجزائري ذلك الكيان كعضو كامل في منظمة الوحدة الإفريقية، بتواطؤ مع أمينها العام آنذاك “إدمو كودجو”، بالرغم من عدم توفر الشروط اللازمة التي ينص عليها القانون الدولي في اعتماد دولة كاملة العضوية في أي منظمة إقليمية أو دولية.

ونفس التجاوزات والخروقات حدثت مع ذلك الكيان في عام 2001، حينما تحولت تلك المنظمة إلى الاتحاد الإفريقي، واعتُبر في حينه ذلك الكيان الوهمي كعضو مؤسس للاتحاد الإفريقي.

وهنا تبدو المفارقة بادية للعيان؛ وهو أنه ما دام هذا الكيان يتمتع بكامل العضوية ويعتبر من الدول المؤسسة للاتحاد الإفريقي، فلماذا يطالب النظام الجزائري اليوم هيئة الأمم المتحدة بأن تمنح لهذا الكيان الحق في أن يقرر مصيره بنفسه؟ فهل النظام الجزائري غير واثق من نفسه، وغير مقتنع بأن الجمهورية الوهمية لم ترق بعد إلى مستوى الدولة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فعلى أي أساس تم اعتمادها في منظمة الوحدة الإفريقية؟

يبدو أن النظام الجزائري قد فقد البوصلة؛ فهو اليوم يطالب بتقرير المصير، وتلك المطالبة جعلته ضمنيًا يعترف بأن ذلك الكيان ليس بدولة. وفي ظل هذا التناقض الصارخ، كيف سمح النظام الجزائري كذلك لنفسه أن يقبل أوراق اعتماد سفير كيان لدى الجزائر، وهو في نفس الوقت يدعو المنتظم الدولي إلى إعطاء البوليساريو الفرصة لكي يقرر مصيره بين الانضمام إلى المغرب أو إنشاء دولة مستقلة؟

وهنا وجب على النظام الجزائري أن يحدد موقفه بكل وضوح، وأن يقول للعالم على ماذا استقر رأيه؟ فلحظة الحقيقة هي تلك التي صدمه بها قرار مجلس الأمن الأخير، ولا مجال للالتفاف عليها بوساطة مزعومة يروج لها النظام الجزائري عن قصد للهروب من مستحقات المرحلة القادمة.

فطارق بن زياد قد أحرق السفن، والجزائر ليس أمامها سوى أن تنقاد إلى إرادة المنتظم الدولي. ويبقى كذلك على الاتحاد الإفريقي أن يحسم في الخطاب المزدوج للنظام الجزائري، ما بين حديثه عن تلك الدولة في كواليس الاتحاد، وما بين حديثه عن تقرير المصير في كواليس الأمم المتحدة. الكرة الآن في ملعب الاتحاد لتصحيح الخطأ التاريخي.

https://anbaaexpress.ma/867rd

لحسن الجيت

كاتب ودبلوماسي مغربي سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى