قبل انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب، ومع بداية العدّ التنازلي لهذا الحدث القاري الكبير، لوحظ بشكل لافت ارتفاع منسوب النقد والتبخيس الموجّه للبطولة، ليس من إعلام أجنبي أو خصوم تقليديين، بل – وهو الأخطر – من بعض الأصوات المحسوبة على الإعلام المغربي نفسه.
مفارقة تثير أكثر من علامة استفهام؛ إذ إن هذه الأصوات ذاتها كانت في مقدمة المدافعين والممجّدين للبطولات الكروية التي نُظمت في قطر، بما فيها كأس العرب الأخيرة، والتي شارك فيها المنتخب المغربي، وتم التعامل معها حينها كـ”نموذج مثالي” في التنظيم، دون أي مساحة للنقد أو المقارنة.
هذا التناقض يطرح تساؤلات جوهرية ومشروعة: هل نحن أمام ازدواجية في المعايير؟ أم أن هناك توجيهًا إعلاميًا مباشرًا أو غير مباشر يؤثر في الخطاب؟ وهل بعض المنابر تخوض، بوعي أو دون وعي، في خدمة أجندات خارجية لا تنظر بعين الإنصاف إلى المغرب؟.
اللافت كذلك أن الإعلام الجزائري، وخصوصًا المحسوب على التيار الإخواني، يتصدر حملات الهجوم على المغرب وكأس أمم إفريقيا 2025، في محاولة مكشوفة لتبخيس مستوى التنظيم والبنيات التحتية، متجاهلًا الواقع الميداني الذي تشهد به تقارير دولية ومؤسسات رياضية مستقلة.
فالملاعب المغربية التي تحتضن البطولة ليست مجرد منشآت عادية، بل بنى رياضية حديثة تضاهي نظيراتها الأوروبية، أنجزت بسواعد مغربية، ووفق معايير الفيفا والكاف، وفي آجال زمنية قياسية، وهو ما يجعل من المغرب نموذجًا إفريقيًا في التنظيم والاستشراف.
إن أخطر ما يواجهه أي مشروع وطني كبير ليس النقد البناء، بل جلد الذات، والانخراط في حملات تشويه ممنهجة، تُدار أحيانًا من خارج الحدود، وتجد للأسف صدى داخل بعض المنابر المحلية.
كأس أمم إفريقيا 2025 ليست مجرد بطولة كروية، بل محطة استراتيجية تكرّس موقع المغرب كقوة رياضية وتنظيمية صاعدة، وكبوابة موثوقة لاستضافة التظاهرات الكبرى، في أفق مونديال 2030.
ويبقى السؤال المطروح اليوم: هل نختلف من أجل البناء، أم نُستعمل – عن قصد أو عن غير قصد – كأدوات في معارك إعلامية لا تخدم صورة المغرب ولا مصالحه الاستراتيجية؟.
في ظل هذه المعطيات، يصبح لزامًا على الجميع توخي أقصى درجات الحذر واليقظة. فالمغرب اليوم ليس موضوع نقاش رياضي عابر، بل هدف لحملات ممنهجة تقودها جهات خارجية، تستغل أطرافًا داخلية لتغذية خطاب التبخيس والتشكيك.
إن ما يجري يتجاوز كرة القدم ليصل إلى صورة الوطن ومكانته الإقليمية والدولية. لذلك، وجب دق ناقوس الخطر، والتمييز بوضوح بين النقد البناء المشروع، وبين الانخراط في أجندات لا تخدم إلا خصوم المغرب، في مرحلة دقيقة تتطلب الاصطفاف الواعي خلف المصالح العليا للبلاد.




