آراءمجتمع
أخر الأخبار

حين تكشف السيول عري الدولة.. من الكارثة الطبيعية إلى جريمة التقصير المؤسساتي

سيداتي بيدا

لم تكن سيول إقليم آسفي حادثًا عابرًا ولا نزوة من نزوات الطبيعة، بل كانت لحظة كاشفة بامتياز، لحظة سقط فيها القناع عن منظومة اعتادت التعايش مع الخطر، لا مواجهته.

أمطار مساء الأحد لم تُسقط جسورًا وطرقات فقط، بل أسقطت أوهام الجاهزية، وفضحت سنوات طويلة من الإهمال، وسوء التدبير، والاستهانة بحياة المواطنين.

الحصيلة الأولية، التي تقارب 37 ضحية، لا تختزل المأساة في أرقام باردة، بل تضعنا أمام سؤال جوهري لا يمكن الهروب منه: من المسؤول؟ فالكوارث الطبيعية لا تتحول إلى مآسٍ جماعية إلا حين تجد بيئة جاهزة للانفجار؛ بنية تحتية هشة، تخطيطًا حضريًا أعمى، وقرارات مؤجلة تُراكم الخطر بدل تفكيكه.

بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، القاضي بفتح بحث قضائي لتحديد أسباب هذه الفاجعة، يحمل دلالة مهمة: ما جرى ليس “قضاءً وقدرًا” يُطوى بالتعزية، بل واقعة تستوجب التحقيق والمساءلة وترتيب المسؤوليات. غير أن الرهان الحقيقي لا يكمن في فتح البحث، بل في مآله: هل سيصل إلى الجذور، أم سيتوقف عند السطح؟

لقد اعتدنا، بعد كل مأساة، سماع الخطاب ذاته: “بحث جارٍ”، “لجنة تقنية”، “ظروف استثنائية”. لكن ما نادرًا ما نسمعه هو تسمية واضحة للتقصير، ومحاسبة صريحة لمن أهمل، ومن تجاهل التحذيرات، ومن صادق على مشاريع بلا معايير، أو ترك قنوات الصرف والطرق والأحياء عرضة لأول اختبار حقيقي.

السيول لا تقتل وحدها. الذي يقتل هو الصمت المزمن، والتدبير الموسمي للمخاطر، والتعامل مع أرواح الناس بمنطق الأرقام. يقتل حين تُستبدل الوقاية بالترقيع، والتخطيط بالارتجال، والمحاسبة بالنسيان. يقتل حين تتحول الكارثة إلى خبر عابر، والضحايا إلى هامش في نشرة رسمية.

آسفي اليوم ليست حالة معزولة، بل مرآة لوضع أوسع، تُدار فيه المخاطر بمنطق رد الفعل لا الاستباق، وتُؤجَّل فيه الإصلاحات حتى تقع الفاجعة. من هنا، فإن العدالة المطلوبة ليست فقط عدالة تقنية تُختزل في تقرير، بل عدالة سياسية وإدارية وأخلاقية تعيد الاعتبار لمعنى المسؤولية.

قد تعصف الطبيعة، نعم، لكنها لا تُحاسَب. أما التقصير البشري، فيجب أن يُسمّى، ويُواجه، ويُحاسَب. لأن دماء الضحايا لا تطلب الشفقة، بل تطلب الحقيقة، وتصرّ على ألا تتكرر المأساة مرة أخرى.

https://anbaaexpress.ma/vgfgk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى