آراءثقافة
أخر الأخبار

جهلنا بالعدو.. وذهاننا الفوليصوفي

لا زالت هناك فوضى عارمة في تدبير المعرفة، بل ثمة سرنمة جماعية ناحية الجحيم. لا يدرك الكثير منا أن اللغة هي مأوى الوجود، ولكن أي وجود؟

سأعتبر هذا الفرز على ظاهره في المعنى بعيدا عن المغزى الفرودي للفوليصوفيا أو الحماقة_صوفيا (la folisophie) الذي كشف عنه بوضوح جاك لاكان، وتوسع فيه لويس فان ديلف وفيليب دي جورج، حيث العالم كله يعيش وضعية الهذيان، وهي طريقة وحق في أن ينجز كل واحد منا فلسفته الخاصة.

هذا في نهاية المطاف مجرد استراتيجيا في نظري للعقل حين يلتف على الوعي لصالح وعي جديد في رحلة الوعي نفسه. إنما أشير هنا إلى أن الهذيان إن لم نستيقظ منه، فيصبح هستيريا عضال. دعنا من هذه المقدمة، ولنقل:

لم نعرف بعد عدونا، وتعويضا عن هذا الجهل، نصطنع أعداء وهميين، ونعزز الصورة النمطية بالخيال. وقد كانت البيئة العربية ضاجة بهذا الطراز الرديء ممن جعلوا من خلط الأوراق بدل التحقيق مطية لتبرير هذا الجهل الاستراتيجي المزمن. لا يكفي هنا رياضة الإنشاء التي تخلوا من المحتوى والمراد الجدي الذي تتيحه المفهمة.

لا زالت هناك فوضى عارمة في تدبير المعرفة، بل ثمة سرنمة جماعية ناحية الجحيم. لا يدرك الكثير منا أن اللغة هي مأوى الوجود، ولكن أي وجود؟ حدثنا هيدغر عن ذلك بالجملة، لكن اللغة هنا تخبرنا عن أي مرتبة من الوجود تأوي.

إن لغة خالية من المراد الجدي وقوة المفاهيم الناهضة بالمحتوى الفلسفي، ستكون لغوا وصخبا استعراضيا، ثم آفة الآفات أن ألا تسعفنا الفراسة والخبرة بأن نميز بين مستويات الخطاب.

ونظرا للوضعية التي يخضع لها العقل العربي خصوصا، فإن وباء الإنشاء طغى طغيانا فاحشا على حساب التنسيق وتحقيق النسق. ثمة بلاغة أخرى هي بلاغة المفاهيم، والفلسفة إما أن تكون فكرا خلاقا أو لا تكون. لا تحتمل الفلسفة الجمود، بل تصبح مع فرط التكرار حماقة، لم يخطئ من ميز بين فيلوصوفيا وفوليصوفيا(philosophie et folisophie) إذن، فبين هذه وتلك فجوة لامفكر فيها، وحتى إذا فكر فيها ستجد من يسابق إلى التأوه من خطورة ظاهرة يكون فيها شريكا مخاتلا.

نعود إلى أصل الفكرة أعلاه: كيف جهلنا حتى الآن عدونا، ولذنا في خلط الأوراق بمغالطة حجة السلطة، وكيفيتها: هذه معلومات دقيقة، نحن نتابع الأمر بدقة، نحن نمسك بوثيقة، وغالبا هذه الوثيقة تسكن الخيال وتحملها اللغة الفاقدة لمعيار العلم، والعدو الحقيقي يسخر منا، ويضعنا فرادى وجماعات على كرسي الصابر، ويخضعنا لوجبات تشخيص فرودية _ ادليرية _ يونغية، حيث تندك كل فوارق المدرسة، لأن الذات العربية في سكرها المزمن تندك فيها أضداد علم النفس الإكلينيكي.

ليست هذه دعوى للإحباط، بل هي دعوة لإيقاظ العقل العربي من سبات مزمن وأعطاب تراكمت وتحورت واستمكنت، حتى تساوى بوقاحة، المعنى واللامعنى، المعقول واللامعقول، المعرفة والجهل المركب، الصدق والادعاء.

إن أقوى ما في التاريخ مكره وأسراره، العالم ليس مسرحا لفعلنا فقط، بل هناك تعقيد تاريخي لنا فيه وظيفة يحددها النسق، المغالطة إما أن يقوضها الأورغانون أو يصفعها مكر التاريخ. الفرق، هو أن الأولى فيها فضل اختصار الزمن، والثانية مكلفة لا تتحقق إلا بعد نصب ولهاث.

https://anbaaexpress.ma/dpvmq

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى