الشرق الأوسطسياسة
أخر الأخبار

اللقاء الذي حسم الموقف

وبنبرة غضب واضحة، أعلن ترامب صراحةً أن مطلب إسرائيل بنزع سلاح حماس – أي القضاء على مقاومة غزة – يجب أن يُنفَّذ..

يوسف حسن

بعد أسابيع من الضجيج والتهويل الإعلامي، انعقد أخيراً اللقاء المنتظر بين بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ودونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة.

لقاء علّق عليه كثيرون آمالاً كبيرة، مستندين إلى أموال حكّام بعض الدول العربية، وإلى ما يُسمّى باستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي تزعم أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية لواشنطن.

راهن هؤلاء على أن يفضي اللقاء – ولو بالحد الأدنى – إلى كبح آلة الاحتلال في الضفة الغربية ووقف المجازر في غزة. غير أن مراجعة تصريحات ترامب ونتنياهو، وأحاديث المجاملة والودّ بينهما، التي انتهت بتقديم تمثال إسرائيلي مُلفّق لـ«السلام» إلى ترامب، كشفت حقائق صادمة وحددت الموقف بوضوح لا لبس فيه.

على أحد جانبي المنصة وقف ترامب، مفعماً بالحماسة وهو يتغنّى بصداقته مع إسرائيل ونتنياهو، مقدّماً هذا الأخير بوصفه مصدر فخر للإسرائيليين، رغم أن يديه ملوّثتان بدماء نحو سبعين ألف فلسطيني، بينهم خمسة وعشرون ألف طفل في غزة، وأن سياساته جرّت المنطقة بأكملها إلى الدمار والخراب.

وبنبرة غضب واضحة، أعلن ترامب صراحةً أن مطلب إسرائيل بنزع سلاح حماس – أي القضاء على مقاومة غزة – يجب أن يُنفَّذ، وأن مصير القطاع ينبغي أن يُرسم على يد حكّام يُفرَضون من الخارج، في إنكار صارخ لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

وجدد ترامب تأكيده أن نزع سلاح حزب الله في لبنان شرط مسبق لأي مساعدة أميركية لهذا البلد، كما أشاد بالحكّام الجدد في دمشق بسبب مسارهم التصالحي مع إسرائيل.

وكما في عشرات مقابلاته السابقة، لم يُخفِ ترامب فخره بالمشاركة العسكرية مع إسرائيل في استهداف إيران، واعتبر قصف المنشآت النووية الإيرانية – في انتهاك واضح لمعاهدة عدم الانتشار النووي – «إنجازاً عظيماً» توعّد بتكراره.

وبكلمة واحدة، يمكن تلخيص خطابه في جملة واحدة: بالنسبة لأميركا لا شيء يهم سوى إسرائيل؛ لا فلسطين، ولا دول الشرق الأوسط، ولا الأمم المتحدة، ولا أي مؤسسة دولية أخرى لها أي وزن أو اعتبار.

في المقابل، وقف نتنياهو مزهواً بتاريخٍ حافل بقتل النساء والأطفال في غزة وسائر المنطقة. أكد بلا تردد أن الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية سيستمران، وأن الهجمات على غزة لن تتوقف، وأن إسرائيل غير مستعدة للانسحاب من جنوب لبنان أو من الأراضي السورية التي تحتلها.

ومن باب «التقدير» لترامب، الذي وصفه بأكبر أصدقاء إسرائيل، قدّم له تمثالاً زائفاً للسلام. وفي نهاية المطاف، كرر نتنياهو رسالة واحدة لا غير: لا وجود لشيء اسمه فلسطين. فالشرق الأوسط – بحسب منطقه – ليس أرضاً لشعوب ودول عاشت فيه قروناً طويلة، بل هو ملك حصري لإسرائيل التي لم يتجاوز عمرها ثمانين عاماً، لكنها تدّعي امتلاك الأرض من النيل إلى الفرات.

كل هذه الكلمات قيلت، لكن لم يُذكر شيء عن أطفال غزة الذين يقفون في برد الشتاء القارس حائرين: هل يموتون تحت القنابل الأميركية – الإسرائيلية، أم من الجوع، أم من البرد والمطر؟ لم يتحدث أحد عن مئات الخيام التي لم تعد صالحة لإيواء النازحين، في وقت تحتاج فيه غزة إلى نحو ثلاثمائة ألف خيمة.

لم يسمع العالم كلمة واحدة عن وقف المجازر أو عن أي ندم على الجرائم المرتكبة، وكأن ذبح الإنسانية صار متعة عابرة في قاموس هؤلاء. ولم يسمع أحد – لا الشعوب ولا حتى حكّام الدول العربية والإسلامية – أي تعبير عن قلق ترامب من منع المساعدات الإنسانية عن غزة؛ بل كان يصرخ مكرراً جملة واحدة: «إسرائيل، إسرائيل، أحبك».

نعم، كان لقاء ترامب ونتنياهو بمثابة خط النهاية لكل من ظنّ أن ترامب، بدافع المصلحة أو حتى لأجل الاستعراض السياسي، قد يضع حداً لجرائم نتنياهو.

لكنه أثبت بوضوح أنه لا يملك أدنى إرادة لذلك، بل يفضّل أن يغسل يديه في الإناء الذي ملأه نتنياهو بدماء أطفال غزة، وأن يصغي إلى سردياته عن القتل والقسوة بلا اكتراث.

لقد حسم هذا اللقاء الموقف نهائياً: لا تراهنوا على سلام ترعاه أميركا، ولا تعلّقوا آمالاً على تفاوض مع إسرائيل، ولا تنتظروا نهاية قريبة للألم والمعاناة التي تنهش أجساد أهل غزة المنهكة. بكلمة واحدة: آن أوان اليقظة.

آن الأوان أن نعتمد على أنفسنا، وأن ننهض حاملين مسؤوليتنا وأدواتنا دفاعاً عن فلسطين. فإلا نفعل ذلك اليوم، فلن نجد غداً جواباً نقدمه للأطفال الذين سيسألوننا: عندما كنا نموت من البرد والجوع تحت القصف، أين كنتم؟

https://anbaaexpress.ma/9d04t

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى