أفريقياسياسة
أخر الأخبار

البوليساريو والإخفاق الرمزي.. روسيا تختار الواقع على حساب الطرح الانفصالي “تحليل”

موقف موسكو الأخير، من انفتاحها على مقترح الحكم الذاتي المغربي وامتناعها عن استخدام الفيتو ضد القرار الأممي 2797، ليس ترفا سياسيا، بل انعكاس للمنطق الذي يرى أن الحلول الواقعية تبقى وحدها قادرة على إنضاج التسوية وتفادي الفوضى..

في القاهرة، خلال منتدى “الشراكة الروسيةالأفريقية” الثاني، ظهر واضحا أن السياسة الواقعية تستطيع أن تصنع فجوة لا يمكن للطموحات الانفصالية تجاوزها.

استبعاد جبهة البوليساريو لم يكن مجرد تصرف تنظيمي، بل رسالة دبلوماسية دقيقة.. الشراكة بين روسيا والدول الإفريقية لا تحتمل استخدام النزاعات الإقليمية كأداة ضغط، ولا تمرير أجندات طرفية تحت غطاء التحالفات الاقتصادية أو السياسية.

موسكو، بالتعاون مع القاهرة والاتحاد الإفريقي، اختارت الإطار الذي يحكمه الاعتراف الدولي فقط، لتؤكد أن أي كيان يفتقر إلى العضوية الأممية لا مكان له في المنصات الرفيعة.

هذه الخطوة أعادت الجزائر إلى مربع الإحباط، إذ وجدت نفسها أمام معادلة واضحة.. الضغط السياسي التقليدي لن ينتج نتائج إذا لم يتلاق مع الشرعية الدولية والمعايير الواقعية على الأرض.

محاولات الجزائر إدراج ملف الصحراء المغربية في اللقاءات الثنائية مع بعض الدول الإفريقية، أو الترويج لمقترحاتها الانفصالية، بدت محدودة التأثير.

المنتدى ظل منصة للتعاون التجاري والاقتصادي، بعيدا عن الاستقطابات السياسية، مؤكدًا أن قوة الأطروحة الانفصالية لا تُقاس بالضغوط أو العلاقات الثنائية، بل بمدى توافقها مع القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

المشهد الروسي يكشف استراتيجية ثابتة منذ 2019، التمسك بالشرعية الدولية، الابتعاد عن الأجندات الرمزية، وتعزيز الشراكات الواقعية.

موقف موسكو الأخير، من انفتاحها على مقترح الحكم الذاتي المغربي وامتناعها عن استخدام الفيتو ضد القرار الأممي 2797، ليس ترفا سياسيا، بل انعكاس للمنطق الذي يرى أن الحلول الواقعية تبقى وحدها قادرة على إنضاج التسوية وتفادي الفوضى.

في هذا السياق، البوليساريو تصبح رمزا لإخفاق الطروحات الانفصالية.. تحركاتها المبنية على الضغط والتمثيل الوهمي للسيادة تصطدم دائمًا بحائط الاعتراف الدولي، بينما يثبت الواقع أن أي نفوذ لا يستند إلى الشرعية، مهما بلغ من طموح، يظل هشًا وسريع الانكسار.

الدرس الأبرز من القاهرة ليس مجرد سياسي، بل فلسفي.. القوة الحقيقية لا تكمن في رفع الصوت أو التحرك الانفعالي، بل في من يمتلك الأرض القانونية والاعتراف الدولي والإرادة الواقعية لتحديد مسار التعاون بعيدًا عن الصراعات الرمزية.

وفي هذا المشهد، تظهر روسيا كفاعل واع، يدرك أن الطروحات الانفصالية محكومة بالهشاشة، وأن أي نفوذ بلا شرعية يبقى سريع الانكسار، لكنها في الوقت ذاته تفهم عمق المبادرة المغربية وتقدر أهميتها كخارطة طريق قابلة للتطبيق، وقادرة على تحويل النزاع إلى مسار سياسي متوافق عليه دوليا.

بذلك، تظل روسيا، في تحركها الواقعي الحذر، عاكسة لمعنى أن السياسة ليست مجرد لعبة نفوذ، بل فن قراءة الواقع، والاعتراف بالحلول الممكنة، واحتضان المبادرات التي تمنح الاستقرار والاستمرارية للأطراف جميعا.

https://anbaaexpress.ma/ri8an

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى