تدرس الولايات المتحدة اتخاذ تدابير محتملة بحق إسبانيا على خلفية قرارات اتخذتها مدريد بمنع رسو عدد من السفن في موانئها، من بينها ميناء الجزيرة الخضراء، بدعوى ارتباط شحناتها بإسرائيل، وهو ما تعتبره واشنطن مساسًا مباشرا بمصالحها في مجال التجارة البحرية.
وبحسب مصادر اسبانية، أعلنت اللجنة البحرية الفيدرالية الأمريكية أنها انتقلت إلى مرحلة جديدة في التحقيق المفتوح ضد إسبانيا، معتبرة أن القيود المفروضة على حركة السفن قد تخلق أوضاعًا غير مواتية للنقل البحري الأمريكي، وتبرر دراسة إجراءات تصحيحية أو عقابية.
وأوضحت اللجنة، في وثيقة رسمية، أن السلطات الإسبانية ما تزال متمسكة بهذه القيود، ما دفعها إلى تعميق التحقيق عبر جمع معطيات إضافية قبل اتخاذ أي قرار نهائي قد ينعكس على حركة الملاحة بين البلدين.
ويعود أصل هذا الملف إلى دجنبر 2024، عندما مُنعت ثلاث سفن حاويات ترفع العلم الأمريكي من الرسو في محطة “APM” بميناء الجزيرة الخضراء خلال نونبر من العام نفسه.
وتتعلق السفن المعنية بـ“Maersk Denver” و“Maersk Nysted” و“Maersk Seletar”، وهي تُشغَّل من طرف شركة “ميرسك” الدنماركية ضمن برنامج الأمن البحري الأمريكي.
وبرّرت إسبانيا آنذاك قرارها باعتبارات تتعلق بالسيادة المينائية وتطبيق القوانين الوطنية والأوروبية والدولية، بسبب طبيعة الشحنات ووجهتها.
وترى الجهة التنظيمية الأمريكية أن هذه الواقعة ليست استثناء، مشيرة إلى حادثة سابقة في ماي 2024 مُنعت فيها سفينة أخرى من الرسو بسبب نقلها معدات عسكرية إلى إسرائيل، وهو ما تعتبره واشنطن مؤشرا على نهج متكرر في السياسة الإسبانية.
وزاد هذا التوجه وضوحًا، وفق المصدر نفسه، بعد إعلان الحكومة الإسبانية في شتنبر 2025 عن اعتماد استراتيجية “متعددة الأبعاد” تقضي بمنع استخدام الموانئ والمجال الجوي الإسباني لعبور شحنات محددة موجهة إلى إسرائيل، بما فيها الأسلحة والوقود العسكري.
وتحذّر اللجنة البحرية الفيدرالية من أن هذا المسار قد يمنح إسبانيا صلاحية رفض دخول السفن بناء على نوع الشحنة أو وجهتها، وهو ما قد يُلحق ضررًا مباشرًا بالنقل البحري الأمريكي، ويفتح الباب أمام تطبيق آليات قانونية أمريكية تسمح بفرض إجراءات مضادة.
وتشمل الخيارات المطروحة، بحسب الصحيفة الإسبانية، فرض قيود على الرحلات البحرية بين الموانئ الأمريكية والإسبانية، أو فرض رسوم إضافية على السفن المرتبطة بإسبانيا، أو تقييد أنواع وكميات الشحنات، إلى جانب احتمال تدخل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لرفض دخول أو مغادرة بعض السفن.
ويعد ميناء الجزيرة الخضراء من أبرز الموانئ الإسبانية المرتبطة بخطوط ملاحية منتظمة مع الولايات المتحدة، كما يشكل منصة رئيسية لتصدير المنتجات الإسبانية، خاصة الزراعية منها، وعلى رأسها زيت الزيتون، نحو السوق الأمريكية.
وحذّر التقرير من أن أي إجراءات عقابية محتملة قد تكون لها تداعيات مباشرة على حركة الملاحة في مضيق جبل طارق، وعلى سلاسل التوريد عبر الأطلسي، فضلا عن تأثيرها الاقتصادي الكبير على نشاط ميناء الجزيرة الخضراء.
وقبل حسم موقفها، فتحت السلطات الأمريكية مرحلة إضافية لجمع المعلومات، مطالبة بتقارير مفصلة حول قرارات المنع التي اتخذتها إسبانيا، وأسبابها القانونية، والبدائل الممكنة، إضافة إلى تقييم أثرها على الكلفة اللوجستية وجداول الشحن.
ومن المرتقب أن تتضح ملامح القرار الأمريكي خلال الستين يوما المقبلة، وسط ترقب واسع في أوساط قطاع النقل البحري الدولي.




