إقتصادمجتمع
أخر الأخبار

مول الحانوت.. عمود الاقتصاد الشعبي الذي تتجاهله السياسات العمومية: لماذا تحتاج الحكومة إلى هيكلة هذا القطاع ورقمنته؟

يظل هذا القطاع الكبير مهمشاً وغير مصنف بالشكل الذي يستحقه، رغم أنه يشغّل مئات الآلاف من المغاربة..

بدر شاشا

يُعتبر مول الحانوت واحداً من أقوى الرموز الاجتماعية والاقتصادية في الحياة اليومية للمغاربة. فهو ليس مجرد بائع قرب أو دكان صغير، بل هو مؤسسة اجتماعية تحمل تاريخاً، وثقة، وعلاقة إنسانية تجمعه بالأسرة المغربية منذ عقود.

ومن غير المبالغ فيه القول إن مول الحانوت هو نفسه مدعّم للأسرة المغربية؛ فهو يفتح دين، يوفّر القرب، يسهّل الحياة، ويخلق استقراراً اجتماعياً في الأحياء الشعبية والقرى والمدن الصغيرة.

ومع ذلك، يظل هذا القطاع الكبير مهمشاً وغير مصنف بالشكل الذي يستحقه، رغم أنه يشغّل مئات الآلاف من المغاربة بشكل مباشر وغير مباشر. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لا تقوم الحكومة بدعم مول الحانوت، ورقمنة خدماته، وإدماجه في الاقتصاد العصري؟

فيما يلي قراءة معمّقة لأهمية هذا القطاع، وأسباب ضرورة دعمه، وكيف يمكن خلق منافسة شريفة بينه وبين سلاسل الأسواق الكبرى.

مول الحانوتي.. أكثر من دكان

مول الحانوت هو:

بنك صغير للحي

وسيط ثقة

مركز خدمات يومية

نقطة التقاء اجتماعي

ومزوّد أساسي للبضائع للملايين من الأسر

يعاني أغلب هؤلاء المهنيين من:

غياب الحماية الاجتماعية

غياب التغطية الصحية الفعلية

غياب الولوج للتمويل

ضعف القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار

منافسة غير متكافئة من المتاجر الكبرى

ومع ذلك، يواصل مول الحانوت لعب دوره بإخلاص، وفي كثير من الأحيان بدون ربح كبير، فقط من أجل الحفاظ على علاقة الود والخدمة التي تربطه بالزبائن.

لماذا يجب على الحكومة دعم هذا القطاع؟

1) لأنه قطاع ضخم مندمج داخل المجتمع

عدد محلات البقالة في المغرب يفوق عشرات الآلاف، وهذا يعني:

تشغيل مباشر

خلق فرص عمل

حركة اقتصادية دائمة

دعم الاقتصاد غير المهيكل

أي دعم لمول الحانوت هو دعم لأسر بأكملها.

2) لأنه عنصر أساسي في الأمن الغذائي

مول الحانوت متواجد في كل مكان:

من الأحياء العتيقة إلى الدواوير النائية حيث لا تصل سلاسل الأسواق الكبرى.

بدونه، ستتضرر حياة ملايين الناس.

3) لأنه يحافظ على التوازن أمام تغوّل الشركات الكبرى

المنافسة اليوم ليست عادلة.

الأسواق الكبرى توفر عروضاً ضخمة وهامش ربح كبير مقارنة بالبقال الصغير.

دون تدخل الدولة، قد يختنق هذا القطاع تدريجياً.

4) لأنه مدعم فعلي للمواطن

الدين، التوصيل، بيع السلع بالتقسيط غير المعلن…

هذه خدمات اجتماعية أكثر منها تجارية.

في زمن الغلاء، مول الحانوت هو شبكة أمان شعبية

الرقمنة.. الطريق نحو إنقاذ المهنة

رقمنة هذا القطاع لا تعني تحويله إلى تطبيق فقط، بل تشمل:

أنظمة تسيير ذكية للمخزون

الأداء الإلكتروني

الفوترة الرقمية

منصّات شراء بالجملة بأسعار منخفضة

تكوين مهني في المجال الرقمي

دعم الدولة لتحديث المحلات

بهذه الطريقة، يصبح مول الحانوت قادراً على:

تقليل التكاليف

تحسين الأرباح

منافسة الأسواق الكبرى

تقديم خدمات أفضل للزبائن

وقد أثبتت التجارب الدولية أن رقمنة التجارة الصغيرة تجعلها أقوى وليس العكس.

خلق منافسة شريفة بين مول الحانوت والقطاع العصري

المطلوب ليس محاربة الأسواق الكبرى ولا تحجيمها، بل:

قواعد واضحة

منع الإغراق السعري

تسهيل وصول البقالة إلى سلاسل التوزيع بالجملة

دعمهم للحصول على ثلاجات، تجهيزات، وتطبيقات

إعطاء أولوية للبقالة في برامج التمويل الحكومية

بهذا، لن يكون البقال ضحية، بل شريكاً فعلياً في الاقتصاد الوطني.

لن يحل أي قطاع محل مول الحانوت. فهو جزء من ذاكرتنا الجماعية، ومن نسيجنا الاجتماعي، ومن حياتنا اليومية.

وإذا أرادت الحكومة بناء اقتصاد قوي وعادل، فعليها أن تجعل هذا القطاع ضمن أولوياتها في الدعم، والرقمنة، والحماية الاجتماعية، وتأهيله ليصبح قطاعاً منظماً يساهم في خلق الثروة، لا قطاعاً مهمشاً ينتظر مصيره.

مول الحانوت هو قلب الحي.. وإذا توقف قلب الحي، توقف نبض المجتمع كله.

https://anbaaexpress.ma/497fh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى