تقاريرسياسة
أخر الأخبار

سلوفاكيا تسقط رواية الجزائر.. درس جديد في براغماتية العلاقات الدولية

الإحراج الذي أصاب الخارجية الجزائرية بعد النفي السلوفاكي فيشكل ـ بحسب المحللين ـ دعوة صريحة للجزائر لمراجعة منهجها الخارجي، والابتعاد عن أسلوب الفبركة الخطابية الذي لم يعد يجد له مكاناً في بيئة دبلوماسية تقوم على الشفافية والواقعية

وجدت الجزائر نفسها أمام موجة انتقادات جديدة بعد أن خرجت وزارة الخارجية السلوفاكية لتفنيد ما أعلنته الدبلوماسية الجزائرية بشأن إدراج ملف الصحراء المغربية في الإعلان المشترك الصادر عقب زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف لبراتيسلافا مطلع الأسبوع.

فبينما حاولت الجزائر تقديم الزيارة كاختراق سياسي، أكدت سلوفاكيا بشكل واضح أن وثائقها الرسمية لم تتطرق للنزاع الإقليمي، وأن التركيز انصب على ملفات التعاون الثنائي والشراكة الاقتصادية.

هذا التناقض الصارخ كشف مجدداً الهوة بين الرواية الجزائرية ومحاضر الاجتماعات الفعلية، وهو نمط يتكرر في السنوات الأخيرة كلما حاولت الجزائر توظيف قضية الصحراء كورقة دبلوماسية خارج سياقها.

فعوض التركيز على تعزيز علاقاتها الثنائية، تصر الجزائر على تدوير ملف الصحراء في كل مناسبة، مما يعرّضها لمواقف محرجة ويُضعف مصداقيتها في الساحة الدولية.

البيان الجزائري الذي تحدث عن “دعم الشعب الصحراوي” بدا منقطعاً عن سياق التحولات الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة، خاصة في ظل بروز قناعة دولية متزايدة بجدية المقترح المغربي للحكم الذاتي، وهو ما أعاد تأكيده القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن.

أما سلوفاكيا، كغيرها من العديد من الدول الأوروبية، فهي تفضل توجيه بوصلتها نحو الملفات الاقتصادية والتنموية، وترى أن القضايا الإقليمية البعيدة عن مصالحها المباشرة ليست مجالاً للتجاذب الدبلوماسي.

وبينما تنخرط الرباط في مسار تنموي واضح بأقاليمها الجنوبية، وتواصل توسيع دائرة الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، تواصل الجزائر الدخول في مواجهة سياسية غير محسوبة، قائمة على سرديات لم يعد المجتمع الدولي يتفاعل معها.

إذ إن محاولة إدراج إشارات سياسية في بيانات المشتركة لم تعد تمرّ في زمن تُنشر فيه الوثائق الرسمية فور صدورها وتُدقق فيها الحكومات ووسائل الإعلام على حد سواء.

ويرى مراقبون أن ما حدث في براتيسلافا ليس مجرد حادث بروتوكولي، بل مؤشر على أزمة أعمق تعيشها الدبلوماسية الجزائرية التي تبدو عاجزة عن التكيف مع منطق البراغماتية الدولية الجديدة، حيث تحتل المصالح الاقتصادية والأمنية الصدارة على حساب الشعارات والمزايدات.

أما الإحراج الذي أصاب الخارجية الجزائرية بعد النفي السلوفاكي فيشكل ـ بحسب المحللين ـ دعوة صريحة للجزائر لمراجعة منهجها الخارجي، والابتعاد عن أسلوب الفبركة الخطابية الذي لم يعد يجد له مكاناً في بيئة دبلوماسية تقوم على الشفافية والواقعية. فاستمرار هذا النهج لن يؤدي سوى إلى تعميق عزلة الجزائر وزيادة الشكوك حول نواياها ومصداقيتها.

وبذلك، تكشف حادثة براتيسلافا مجدداً محدودية المقاربة الجزائرية في إدارة أحد أكثر الملفات حساسية في المنطقة، وتبرز الفارق بين خطاب يكرر نفسه دون نتائج، ودبلوماسية عملية نجحت في كسب الاعترافات الدولية وجذب الشركاء الفاعلين إلى رؤية تقوم على الاستقرار والتنمية.

https://anbaaexpress.ma/6gecg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى