أفريقياثقافة
أخر الأخبار

جريمة ثقافية في حق المغرب: هدم استوديو 1 بالإذاعة الوطنية (فيديو – صور)

إن هدم استوديو 1 يأتي في سياق مسلسل مقلق شمل سابقًا محو قسم الموسيقى وقسم التمثيل، في خطوة تُفهم على أنها إقبار ممنهج للذاكرة السمعية المغربية

علمت أنباء إكسبريس، استنادًا إلى معطيات موثوقة وصور وفيديوهات توصلت بها، بخبر مفاده هدم استوديو 1 بالإذاعة الوطنية المغربية، أحد أعرق وأهم الفضاءات السمعية في تاريخ المملكة، وتعويضه باستوديو مخصص للقناة الرياضية في إطار التحضير لتغطيات كأس إفريقيا وكأس العالم.

فيديو يوثق هدم استوديو 1 بالإذاعة الوطنية

خطوة وُصفت من قبل مهنيين ومتابعين بأنها كارثة ثقافية بكل المقاييس.

لم يكن استوديو 1 مجرد بناية تقنية، بل ذاكرة وطنية حيّة، احتضنت منذ خمسينيات القرن الماضي نشأة الأغنية المغربية الحديثة، وشهدت تسجيل أولى وأهم الأعمال التي شكّلت الوجدان الفني للمغاربة.

فمن داخله خرجت روائع أحمد البيضاوي وعبد السلام عامر وعبد الرحيم السقاط وعبد القادر الراشدي وعبد النبي الجيراري وعبد الوهاب أكومي ومحمد بن عبد السلام، كما سجلت بين جدرانه الأغاني المغربية منذ الخمسينات إلى مراحل متقدمة من تاريخ الإذاعة.

في هذا الاستوديو تحديدًا، سُجل نشيد العودة، وسُجلت قصيدة القمر الأحمر، ووُثقت أغاني المسيرة الخضراء كاملة، في مفارقة صادمة تتزامن مع مرور خمسين سنة على انطلاق المسيرة الخضراء، ما يجعل هدم هذا الفضاء التاريخي فعلًا رمزيًا خطيرًا يمس ذاكرة الوطن في لحظة مفصلية من تاريخه.

واحتضن استوديو 1 توثيق الطرب الأندلسي المغربي مع مولاي أحمد الوكيلي وعبد الكريم الرايس والتمسماني رحمهم الله، كما شكّل فضاءً مركزيًا لحفظ قصيدة الملحون بأصوات البريهي والتهامي الهاروشي والحسين التولالي وغيرهم من رواد هذا الفن العريق.

ولم يكن الأمر مقتصرًا على الغناء، بل كان الاستوديو مسرحًا لتسجيل أرقى التمثيليات والمسلسلات الإذاعية التي لا تزال حاضرة في ذاكرة المغاربة.

ومن بين الأسماء التي خُلّدت أعمالها داخل هذا الفضاء، عبد الله شقرون ومحمد حسن الجندي الذي سجل فيه ملحمة سيف ذي يزن، إلى جانب محمد إحمد البصري والعربي الدغمي وحمادي التونسي وحمادي عمور وحميدو بنمسعود، إضافة إلى رائدات الفن الإذاعي أمينة رشيد ونعيمة المشرقي وصفية الزياني وحبيبة المذكوري، وغيرهن من الوجوه التي صنعت العصر الذهبي للإذاعة المغربية.

الجوق الوطني برئاسة أحمد البيضاوي سنة 1959

ولم يقتصر إشعاع استوديو 1 على الفن المغربي فقط، بل استقبل رموز الغناء العربي، حيث سجل فيه عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ووديع الصافي وسعاد محمد وفايزة أحمد وهدى سلطان، كما سجلت الفنانة صباح أغنيتها الشهيرة «ما أنا إلا بشر» بطلب من الراحل الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه، ما يعكس المكانة الاستثنائية التي كان يحظى بها هذا الاستوديو داخل وخارج المغرب.

كما شكّل الاستوديو القلب النابض لعمل الجوق الوطني المغربي، الذي تأسس سنة 1959 على يد الدكتور المهدي المنجرة عندما كان مديرًا عامًا للإذاعة المغربية، وضم أكثر من ثلاثين عازفًا من أمهر الموسيقيين المغاربة، من بينهم صلاح الشرقي عازف القانون، ومحمد سميرس عازف الكمان، إلى جانب حميد الطالبي ومحمد بلهاشمي وعمرو الطنطاوي والمكي الرايسي وأحمد الشجعي وحميد بن إبراهيم وعلي عاكف، وغيرهم من الأسماء التي صنعت مجد الموسيقى المغربية، بشهادة كبار موسيقيي المشرق العربي.

إن هدم استوديو 1 يأتي في سياق مسلسل مقلق شمل سابقًا محو قسم الموسيقى وقسم التمثيل، في خطوة تُفهم على أنها إقبار ممنهج للذاكرة السمعية المغربية، بدل صيانتها وتثمينها وتحويلها إلى معلمة ثقافية أو متحف وطني يليق بتاريخها، كما تفعل الدول التي تحترم إرثها الحضاري.

ختامًا: حين تُهدم الذاكرة يُصاب الوطن في عمقه، ما جرى لا يمكن اختزاله في قرار إداري أو رؤية تقنية ضيقة، بل هو فعل ثقافي خطير يمس هوية المغرب الحديثة.

فالدول القوية لا تهدم ذاكرتها بالجرافات، بل تحميها بالقانون وتخلّدها في الوعي الجماعي. والمغرب، بتاريخ ضارب في العمق، لا يمكنه أن يبني مستقبله عبر محو ماضيه الفني والثقافي.

وأمام هذا المشهد الصادم، يبقى السؤال مشروعًا وملحًا: من يملك حق دفن ذاكرة وطن؟ ومن المستفيد من محو الهوية الفنية المغربية بدمٍ بارد؟

https://anbaaexpress.ma/brjix

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى