تقارير
أخر الأخبار

تاريخ البابوية.. من بطرس الرسول إلى بابوات سوريا ولبنان

ورغم أن الوعي العام يربط البابوية تقليدياً بأصول أوروبية، فإن التاريخ يسجّل حضوراً شرقياً مهماً في الكرسي الرسولي

شادي منصور 

يُعدّ تاريخ البابوية أحد أطول التقاليد الدينية المتواصلة في العالم، ممتداً لنحو ألفي عام منذ أن اعتُبر القديس بطرس الرسول، تلميذ المسيح وأول أسقف لروما، أوّل بابا في التاريخ الكنسي.

ورغم أن بطرس لم يحمل لقب “بابا” بمعناه المؤسساتي الحديث، فإن الكنيسة الكاثوليكية ترى فيه أساس السلطة الرسولية، ومرتكز هوية الفاتيكان الروحية.

من القرن الأول إلى الرابع، عاشت الكنيسة تحت وطأة الاضطهاد الروماني، لكن دور أسقف روما برز تدريجياً باعتباره المرجع الأول بين كنائس العالم المسيحي.

ومع اعتناق الإمبراطورية للمسيحية في عهد الإمبراطور قسطنطين، اكتسبت البابوية مكانة سياسية أكبر، تجلت بوضوح في القرن الخامس عبر شخصية البابا ليون الأول، الذي رسّخ سلطة روما العقائدية، ووقف في وجه غزو الهون.

وفي القرون الوسطى، تحولت البابوية إلى قوة روحية وزمنية معاً. فقد لعب البابا غريغوريوس الكبير دوراً محورياً في تنظيم الليتورجيا “Λειτουργία القداس الإلهي” وإرسال الإرساليات إلى أوروبا، قبل أن تبلغ السلطة البابوية أوجها في عهد إنوسنت الثالث في القرن الثاني عشر، حين أصبح البابا أشبه بحَكَمٍ أعلى بين ملوك أوروبا.

غير أنّ هذه القوة لم تمنع الأزمات التي هزّت المؤسسة البابوية. ففي القرن الرابع عشر نشأت “البابوية الأفينيونية” هي الفترة بين عامي 1309-1376 حين أقام البابوات في مدينة أفينيون جنوب فرنسا عوضا عن روما، قبل أن ينشب الانشقاق الغربي الذي عرف فيه العالم في وقت واحد بابا في روما وآخر في أفينيون، ما استدعى حسم الأزمة في مجمع كونستانس، هو المجمع المسكوني السادس عشر في الكنيسة الكاثوليكية، عقد بين 1414 – 1418، وأنهى الانشقاق الغربي، حيث ادعى ثلاثة أساقفة في آن واحد أنهم البابا. اُتُّفِق في المجمع على عزل الثلاثة وانتخاب مارتن الخامس بمنصب الحبر الأعظم.

أما القرن العشرون، فشهد تحوّلاً جذرياً في دور البابا. فمع اتفاقيات اللاتيران سنة 1929، تأسست دولة الفاتيكان بحدودها الحالية، وبدأت مرحلة البابوية ذات الطابع الروحي العالمي.

وشكّل مجمع الفاتيكان الثاني (1962–1965) في عهد يوحنا الثالث والعشرين نقطة مفصلية في تحديث الكنيسة وتوجهها نحو الحوار مع العالم والأديان الأخرى. وفي أواخر القرن الماضي، برز يوحنا بولس الثاني كإحدى الشخصيات المؤثرة عالمياً.

ورغم أن الوعي العام يربط البابوية تقليدياً بأصول أوروبية، فإن التاريخ يسجّل حضوراً شرقياً مهماً في الكرسي الرسولي. فقد جاء عدد من البابوات من بلاد الشام خلال القرون الأولى للمسيحية، ومنهم باباوات من سوريا الكبرى وآخرون من مناطق كانت تُعدّ جزءاً من فلسطين التاريخية.

كما برز بابا من مدينة صور الساحلية جنوب لبنان، “البابا قسطنطين” فضلاً عن البابا غريغوريوس الثالث الذي كان آخر بابا غير أوروبي قبل العصر الحديث.

تاريخ البابوية إذن ليس مجرد سرد لخلفاء بطرس، بل هو مسار طويل يعكس تحولات روحية وسياسية وثقافية، تمتد من روما القديمة إلى العالم الحديث، وتُظهر كيف أصبحت هذه المؤسسة لاعباً مركزياً في تشكيل حضارة الغرب، مع جذور تمتد أيضاً إلى الشرق الذي شكّل جزءاً أساسياً من بداياتها.

https://anbaaexpress.ma/bzzwu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى