في خضمّ الاحتفالات الرسمية التي تعرفها دمشق بمناسبة ما تصفه السلطات بـ“عيد التحرير”، تداولت شبكات مفتوحة تسجيلات لجنود سوريين يرددون شعارات داعمة لغزة، الأمر الذي فتح نقاشاً واسعاً داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين، وفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية، معتبرة أن المشاهد تحولت سريعاً إلى مادة تحليل سياسي وأمني داخل إسرائيل حول مستقبل الوجود العسكري جنوب سوريا.
مصادر إسرائيلية قالت إن الأجهزة المعنية رصدت عروضاً عسكرية لعناصر الجيش السوري في عدد من المحافظات، ظهر خلالها جنود يهتفون بشعارات تحمل نبرة عدائية واضحة تجاه إسرائيل وتستحضر غزة بوصفها رمزاً للمواجهة.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن هذه التعبيرات تمنح حكومة بنيامين نتنياهو فرصة لتعزيز حجتها بشأن استمرار العمليات العسكرية في الجنوب السوري بدعوى وجود تهديدات مرتبطة بـ“تغلغل عناصر مرتبطة بحماس داخل وحدات الجيش السوري”.
وخلال الساعات التالية لانتشار التسجيلات، دخل الملف طاولة نقاش داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بمشاركة قيادات عسكرية، وفق ما ذكرت إذاعة الجيش، التي أشارت إلى إمكانية توجيه رسائل سياسية مباشرة إلى دمشق، تطالبها باتخاذ موقف منسجم مع ما تصفه تل أبيب بـ“ضوابط الاستقرار على الحدود”.
في المقابل، جاءت مواقف إسرائيلية أخرى أكثر تشدداً حين وصف مسؤولون أمنيون النظام السوري بأنه “محطّ ريبة دائمة”، بما يعكس استمرار النهج الإسرائيلي الرافض للانسحاب من المناطق الحدودية رغم ضغوط أميركية متزايدة، خصوصاً بعد حوادث توغل إسرائيلية في ريف القنيطرة خلال الأيام الأخيرة، نتج عنها إصابة مدنيين وفق روايات سورية رسمية. وقد بثت قناة “الإخبارية السورية” صوراً قالت إنها لعمليات إطلاق نار وإقامة حواجز مؤقتة من قبل القوات الإسرائيلية في مناطق زراعية يعتمد عليها سكان القرى كمصدر رئيسي للرزق.
التحركات الإسرائيلية الأخيرة تأتي بينما تتحدث وسائل إعلام عن لقاءات قادتها أطراف غربية بين مسؤولين من تل أبيب ودمشق في الأشهر الماضية بهدف صياغة تفاهمات أمنية تفضي إلى انسحاب تدريجي من المنطقة العازلة التي خضعت لعمليات عسكرية إسرائيلية منذ نهاية 2024.
لكن تصريحات سياسية إسرائيلية في الأسابيع الأخيرة ــ خصوصاً من نتنياهو ووزير الدفاع كاتس ــ تشير إلى تراجع واضح في الحديث عن أي مسار تفاوضي، مع اتهام مباشر للرئيس السوري أحمد الشرع بالسعي إلى “استدعاء قوات روسية” نحو الحدود، وهو تطور تعتبره تل أبيب خطاً أحمر جديداً.
في السياق ذاته، يرى متابعون أن تل أبيب تعتمد على أي مؤشر “عدائي” داخل المؤسسة العسكرية السورية لتثبيت رواية الخطر الأمني جنوب البلاد، في وقت تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية ضغوطاً أميركية متواصلة بسبب استمرار العمليات البرية والغارات الجوية التي تسببت في سقوط قتلى مدنيين وتدمير مواقع سورية خلال الأشهر الماضية.
وتزامن الجدل مع تنظيم دمشق مسيرة عسكرية واسعة لمناسبة “عيد التحرير”، حيث صدحت الهتافات باسم غزة، في إشارة إلى التضامن مع القطاع الذي شهد خلال العامين الماضيين موجة دمار هائلة خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والمصابين وفق تقديرات فلسطينية.
ورغم أن الحكم الجديد في سوريا لم يعلن عن أي نوايا تصعيدية تجاه إسرائيل، فإن مشاهد الاحتفال ذات النبرة السياسية الموجهة نحو غزة أعادت فتح ملف الجنوب السوري من زاوية أمنية بحتة، قد تمنح الحكومة الإسرائيلية مبرراً لتبرير استمرار وجودها العسكري في المنطقة، وتعيد رسم ملامح التوازنات الهشة على الحدود في ظل فراغ تفاوضي متصاعد وغياب رؤية واضحة لما بعد العمليات الإسرائيلية.
التطور حسب مراقبون يبدو أبعد من تسجيلات عابرة، فهو يندرج ضمن بيئة صراع مفتوحة تتحرك فيها إسرائيل على هامش الضغط الأميركي وتراقب سوريا الخارجة من حرب طويلة وهي تعيد بناء مؤسساتها تحت سقف توترات إقليمية مرتبطة بغزة وامتداداتها.
ومن شأن كل حركة رمزية داخل المشهد السوري أن تتحول ورقة في حسابات تل أبيب، التي ما تزال تنظر إلى الجنوب باعتباره خاصرة أمنية لا تحتمل المجازفة، بينما تستثمر دمشق في لحظة سياسية تسعى فيها إلى إعادة تعريف موقعها في خريطة الإقليم ما بعد الحرب.



