تقديم
ما دفعني لكتابة هذه الكلمة أمرين اثنين، الأول: التساؤلات التي أجدها في عيون الناس من حولي وقولي حينما أتواجد في أي محفل كان سواء كان هذا المحفل فرحاً أو كرهاً، والثاني: التعريف بإيجاز شديد إجابة على تلك التساؤلات عن شخصي الضعيف لمن يهمهم الأمر ويعينهم الشأن.
فكرة الموضوع
بصرف النظر عن حقيقة تلك التساؤلات من عدمها، أود أن أكتب تعريفاً ببطاقتي الشخصية ما عساه أن يكون داخلاً حاق الأدب الصرف الذي نطلق عليه أدب السيرة الذاتية، ولمن يحب، السيرة الغيرية. فأنا شخصياً استفدت كثيراً من السير الذاتية التي قرأتها لكبار الكتاب العرب والعجم، أبرزهم الدكتور طه حسين والدكتور عبد الله الطيب، وغيرهم، ووجدت فيها ارتياحاً طيباً وعلماً واسعاً وتجارب محتذاه، مما أوعز لي بناءً على تلك المقدمة أن التعليق عليها بصورة من الصور فيه خير كثير لمن أراد الخير.
الموضوع
قبل دخولي الجامعة قسم الدراسات الهندسية المدينة 1995 جامعة النصر، وبعد وجودي بمدرسة بيت المال الابتدائية بنين، الواقعة بحي الملازمين مدينة أم درمان الكبرى التابعة لحي بيت المال العريق، الصف الخامس الابتدائي، 1985، بدأت الكتابة في سن باكرة بتلك الفترة، وبلا شك لا يعتد بها ولا يعتمد عليها بحال من الأحوال، لكنها فيما أحسبه كانت تمهيداً للمرحلة اليوم بعد أربعين سنة (1985 – 2025) من محاولة نضج الكتابة عندي، فلم أبلغ نضجها بعد فيما أرى، بعد كل تلك الكتب التي صدرت لي والتي في أضابير المكتبة لم تر النور بعد، وبطبيعة الحال إما ضاعت بفعل فاعل أو ضُيعت عَنوة، فما ترك لنا التجديد والتعريف في باب التآليف والفكر والتجارب من قديم يُتكأ عليه لأنه لا يمثل أي معنى بلا شك في أي مجال كان.
هذا! اعتمدت على ذلك في القراءة بنهم واقبال واسعين كبيرين لكل الكتب التي أتحصل عليها من المكتبة بالجوار أو الشراء – وهذا قليل جداً – أو عبر مكتبة الوالد التي كان يشتريها من مصر بسوق الأزبكية بوسط البلد في القرن السابق منتصف الخمسينيات وأغلبها في الدراسات الإسلامية، مما وجدته بها لاحقاً حتى سن السابعة عشر أي سنة 1992، وتم لي بفضل الله ومنته أن حفظت تسعين سورة من القرآن الكريم، ثم صحيح البخاري الثلاثة عشر جزء إضافة لأغلب كتب الفقه الإسلامي، ثم توجهت بعدها لحفظ الشعر العربي الجاهلي لتقوية ملكة اللسان على النطق والنثر لتقوية ملكة الكلام على التعبير، كما الشعر في العصور التالية للعصر الجاهلي مكباً على وجهي كبّاً بين “المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها” وبين كتب الأدب العربي القديم السنخ وذخائر العرب ونفائس الأدب والعلوم السياسية وهلم جرا.
سنة 1993 دعمت فكرة قراءة كتب الدراسات الإسلامية في المنزل بانتسابي لجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية أم درمان قسم الشريعة الإسلامية والفقه بمعهد الدراسات المستمرة لثلاثة أشهر متتالية، وكان مقرراً علينا حفظ سورتي الأنفال والأحزاب، بيد أني لم أستلم شهادتي حتى اليوم غفلة مني من غير نسيان.
لم أنتبه وقتها للمقرر الذي فرض علينا حفظه وفهمه من يد الأستاذ الكبير القدير الدكتور عبد الرحيم إبراهيم أبو الغيث – رحمه الله رحمة واسعة – وهو أحد قيادات الحركة الإسلامية السودانية الصف الأول، عرفت ذلك فيما بعد، وأذكر مرة سألني عن اسمي وصفتي داخل المدرج إذ كنت أصغر الطلبة آنذاك سناً وقامةً ومقاماً وطولاً، فعرّفته بنفسي، فإذا هو يعرف والدي المرحوم إبراهيم العتاق القرّاي، لأنهما تقابلا في مدينة الأبيض حاضرة مديرية شمال كردفان، ووالدي من أوائل رجالات الأعمال السودانيين منذ قبل الاستقلال بفترة طويلة، وعمل ردحاً من الزمن بالأبيض وبقية مدن كردفان ومديريات السودان المختلفة، مما زادني فخراً وتيهاً ودعماً معنوياً لمواصلة حلقات الدرس بلا انقطاع.
فيما بعد، عرفت لماذا بالتحديد سورتي الأنفال والأحزاب، إذ أن التوجه الإسلامي للدولة هو الغالب الأساس، فكان من خطط الحركة الإسلامية أن يرتبط الطالب بمفهوم عقيدة الجهاد والقتال في سبيل الله معنوياً لدرجة لا فكاك عنها لتحقيق أغراض سياسية عملياً لا نعلمها آنذاك، وذات الأمر في السنة الأخيرة من الثانوية العليا، كان مقرراً علينا والطلبة من القرآن سورتي الحجرات والنور، لمزيد توثيق علاقة الطالب بالقرآن للجهاد فقط دون غيره، فسورة الأنفال تتحدث عن معركة بدر، وسورة الأحزاب تتحدث عن غزوة الخندق، والحجرات عن قتال الطائفتين، والنور عن الشريعة الإسلامية بند الزنا والآداب العامة لتكون حلقات متصلة لغرض استراتيجي بعيد كما لا يخفى.
من سنة 1985 وحتى 1995 كنت قد مررت على أهم ما يعين الدارس أسس الفكر غير المخل في الجانب الأدبي إضافة للجغرافيا والتاريخ اللذين أحبهما حباً جماً وأجد نفسي فيهما تماماً، مما كاد أن يكمل في ذهني دائرة المعرفة العميقة المرتبطة بالدراسات الإنسانية المجتمعية، وحين قُبلت في الجامعة قسم الهندسة المدنية تخصص رياضيات في ذات المجال العلمي الأكاديمي، فتوسعت تلكم الدائرة وأحرزت فيها درجة “جيد” وهي مادة صعبة للغاية / مادة نظرية وتصميم الإنشاءات / وزملاء المهنة يعرفون عاقبة من رسب فيها أو تجاوزها بالإهمال.
لم أمكث طويلاً في بداية السنة الدراسية الأولى حتى تم استقطابي بصورة احترافية جندياً في الحركة الإسلامية لغاية سنة 2005 مغادراً لها فراق الطريفي لجمله، وكنت قد مررت بجميع المكاتب التنظيمية الست لقيادة الطلاب حتى رشحت معتمداً برئاسة محلية السلام جنوب ولاية النيل الأبيض لاحقاً جداً، ولم أكمل الطريق لأسباب كثيرة أهمها تنصل الإسلاميين عن مبادئ الحركة والتنظيم بالتحديد الدكتور حسن الترابي، ثم دخلت إلى سوق العمل بكل طاقتي المهنية والعلمية بتأسيسي لشركة هندسية وخلافه.
لكن، لم أتقلد أي منصب تنفيذي في الدولة بل كان أكثرها وأغلبها إعداداً لقيادة الدولة لاحقاً في أي موضع كان من النواحي الفكرية والتدريبية وخلافه، تجد التفاصيل في كتابي “ملتقى السبل” طبعة 2024.
بطبيعة الحال – وهنا موضع الإجابة على التساؤلات التي أجدها في عيون الناس ظناً مني أو يقيناً – تعرفت على أكثر التنظيميين أو القياديين سواء من الحكومة أو المعارضة، مما أتاح لي سعة دائرة المعرفة بأشكال أخرى كثيرة، منها الخبرة العملية بلا شك.
هذا ما يخص علاقتي بالحركة الإسلامية التي نشطت فيها منذ سنة 1991 السنة الأولى بالثانوية العليا، والمؤتمر الوطني الذي سقط بثورة شعبية سلمية مجيدة في 2019.
أما ما يخص علاقتي بحزب الأمة القومي السوداني فمن ثلاثة طرق:
الأول: صلة رحم مع آل المهدي – تجد التفاصيل في كتابي “طيبة الخواض وما وراءها من نبأ”.
الثاني: علاقة أسرة السراج التعليمية بآل المهدي وعموم الأنصار وبالتحديد البيوت الكبيرة منها (الخليفة شريف، التعايشي، الحلو، المهدي) التي لها ارتباط تعليمي بهم بشكل وثيق للغاية.
الثالث: زواجي من بيت الخليفة علي ود حلو، القائد الثاني بعد الخليفة عبد الله التعايشي للدولة المهدية (1881 – 1899) وصاحب الراية الخضراء دلالة المسالمة، وهي حفيدة الخليفة علي ود حلو، ومن هذه الأبواب تعمقت علاقتي بالأحباب الأنصار وحزب الأمة القومي السوداني، وبطبيعة الحال الأسر المذكورة سابقاً، لذا تجدني بينهم في كل موضع وحين وبين الفينة والأخرى مجاملاً ومواجباً.
في ذات السياق والصياغ العامين للكلمة هذه، أفيد بأن والدي من أقطاب الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الزعيم الراحل السيد علي الميرغني، مرشحاً للدائرة 43 شندي لانتخابات الدولة سنة 1967 – 1968، كما أن جدي الشيخ حسن عبد المجيد السراج، والد والدتي، من أقطاب الختمية الكبار أيضاً، أما أخوه الشيخ إسماعيل السراج، عم الوالدة، وجدي الشيخ الطيب السراج عم والدتي يميلون إلى الأنصار، فأتاحت لي هذه القربى والصلات والنسب والمصاهرة بالعمل السياسي العام ورموز القيادات السياسية التعرف عن قرب إليهم بتكوين علاقات لاحقة بعد استقراري وتفرغي للكتابة في جمهورية مصر العربية لأكثر من أحد عشر سنة قبل اليوم نوع من الوفاء والولاء الغريزي للوالد – رحمه الله رحمة واسعة – لا علاقة له مطلقاً بالتبعية أو الانتماء، علماً بأنني في مرحلة ما بعد تخرجي في الجامعة عكفت على قراءة “المولد البراق” للختمية كل يوم اثنين وخميس بعد صلاة العشاء، ويوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بمسجد السيد عبد الله المحجوب ببيت المال ومسجد الختمية بالملازمين، وكذلك الراتب المهدوي “راتب الإمام المهدي”، مداوماً على الصلاة بمسجد الإمام عبد الرحمن المهدي بود نوباوي ومسجد الإمام المهدي بالقبة، لكن تجاوزت تلك الفترة بلا شك بعد دخولي لسوق العمل وما أدراك ما هو.
بعد التخرج في الجامعة، أديت الخدمة الوطنية العسكرية الإلزامية لمدة عامين، معلماً بمدرسة أم درمان الأهلية جوار منزل الزعيم الأزهري، تعرفت حينها على الأستاذ الكبير عبد الماجد أحمد التاي، وبيننا سجالات طويلة في الدين والدنيا، عرفت فيما بعد أنه من الإخوان الجمهوريين، والأستاذ القامة محمود محمد طه، فقدمني مشكوراً ومأجوراً للإخوة والفكرة الجمهورية، فأخذت مكباً على كتب الأستاذ والجمهوريين أحسن ما يكون الانكباب والتعمق في الكتابات الفلسفية للقرآن الكريم وعموم الدراسات الإسلامية، لدرجة أنني مارست الفكرة الجمهورية عملياً لمدة عشر سنوات كاملات بلا انقطاع وأنا في مواقع العمل المتعددة بمديريات السودان المختلفة.
فيما بعد، تعرفت عن كثب على حياة الإخوان الجمهوريين، أزورهم في بيت الأستاذ الكبير المرحوم عبد اللطيف عمر حسب الله – قدس الله سره – وأنشد معهم العرفانيات وأتأقلم مع حياتهم الاجتماعية بكل يسر ومحبة، وهكذا وحتى اليوم وبلا نهاية إن شاء الله، بلا تبعية ولا انتماء، بل بصداقة عميقة وقوية بيني والفكرة والإخوة والأخوات كما يعرفون ذلك.
نسيت أن أذكر أمراً مهماً، وهو أثناء تأديتي لواجب الخدمة الوطنية الإلزامية ومع زميل لي في المدرسة خلاف الأستاذ عبد الماجد التاي، تعرفت إلى الأستاذ النابه عبد الله يوسف إبراهيم النور، شقيق الأستاذ المهندس صديق يوسف إبراهيم النور، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، فكنت أزورهم بمنزلهم القائم بحي الملازمين أم درمان كثيراً جداً، خلاف لقراءتي للفكر الماركسي وأدبيات الحزب الشيوعي السوداني، لكن لم تتمدد علاقاتي بهم نسبة لسفري وإقامتي خارج مديرية الخرطوم لأكثر من عشر سنوات بالمديريات الباقية عدا دارفور الكبرى وجنوب السودان.
أما من ناحية الانتماء القبلي أو الجهوي أو المناطقي، فأنا خليط من كل ذلك، فأمد بسبب لأكثر القبائل والمناطق السودانية بصلة رحم أو هوية إن جاز التعبير، خصوصاً مديرية نهر النيل، زد على ذلك العلاقات الثقافية والاجتماعية والعملية والمهنية، وهلم جرا، التي بلا شك رفعت من رصيدي المعرفي والوطني القومي بفضل الله ومنته، لدرجة رفيعة للغاية، وأنا بها سعيد أشد ما تكون السعادة والمكانة حيث جلت وأجلت شخصيتي رمزاً ومعنى ولله الحمد والمنة.
لا شك عندي بعد سرد هذه الرحلة الطويلة (40 سنة) باختصار، أن أخرج بفوائد جمَّة أهمها المعرفة بالرجال والأفكار، النخب من كل طرف، أوعزت لي بعد تأني إبراز صوتي للناس من طريق دعوتي إليهم أجمعين بـ [الفكرة الإنسانية العالمية]، وقد سبق بيانها في أكثر من موضع بأكثر من طريق، فلتراجع في مكانها حيث كانت.
عودة أخرى للأدب والثقافة والكتابة والقراءة، فبعد خروجي من السودان 2015 نهائياً وإقامتي بمصر لأكثر من عشر سنوات كاملات متصلات بلا عودة خلالها إلى الوطن، تهيأت لي أسباب زيادة القراءة والإطلاع والكتابة والتآليف المختلفة المتنوعة والاحتكاك بالناس مستفيداً من خلفيتي مما سبق ذكره، فأنا أمثل شخصي وفكرتي فقط، ولا انتماء لي لا للسياسة ولا للاتباع ولا غير، بل أزعم أني صاحب موقف ومبدأ وصاحب مشروع فكري قائم بذاته وهو [الفكرة الإنسانية العالمية]، والتعريف بها بشتى الصور تجدها مبذولة في مؤلفاتي ومقالاتي والميديا، وقد أشرفت بالحديث عنها على المنابر كيفما أتيحت لي الفرصة، لا لاستعراض عضلاتي المعلوماتية – حاشا لله – لكن لعرض مشروعي الفكري الإنساني الطويل بأى طرح ممكن زماناً ومكاناً وذاتاً.
خلفيتي المعرفية المقدمة آنفاً بقصورها وتقصيرها عن شأن المرام وبعدها عن الكمال سواء في العمل العام أو الآداب أو العلوم الهندسية أو العمل السياسي على قلته، سوَّلت لي نفسي – والعياذ بالله – أن أطرحها للناس كلهم شخصية عامة خلاف التخصص وعموم المراد، رسالة أؤديها وأمانة أبلغها ما وسعتني الحيلة والزمن والعمر المحتوم بالموت أجلاً لا ريب فيه “لكل أجل كتاب”.
خاتمة مهمة
بهذا، أرجو من الله أن أكون وفقت في التعريف ببطاقتي الشخصية لمن يهمهم الأمر ويعنيهم الشأن، وأكرر وأقرر: ليست لي أي علاقة ولا أي انتماء بأى حزب سياسي سوداني أو طائفة أو جماعة أو تنظيم أو خلافه، فأنا رجل حر أفكر كيفما أشاء وأقول بما أفكر فيه وأعمل بما أقوله مسؤولاً عنه تماماً سلباً أو إيجاباً، وأسأل الله أن أوفق فيه للخير والبر والإحسان ولا تكون عاقبة أمري إلا خيراً للناس ولأسرتي وبراً بهم، والله ولي التوفيق.
أهم المراجع
1/ كتابي: (ملتقى السبل) طبعة دار بدوي للنشر بألمانيا 2024.
2/ كتابي: (الفكرة الإنسانية العالمية) تحت الطبع 2026، دار زهرات البيدر للطباعة والنشر والتوزيع بالإمارات العربية المتحدة.
3/ كتابي: (طيبة الخواض وما وراءها من نبأ) طبعة جزيرة الورد بالقاهرة 2020.
4/ كتابي: (قبيلة السراج في السودان) طبعة إلكترونية دار أرثيريا السودان 2022.
5/ الميديا والإنترنت.




