يحكى أن عجوزًا شمطاء، لما كانت شابة، غادرت قريتها متجهة نحو المدينة، فاستقر بها المقام بمدينة إدارية ذات تاريخ عريق. في بداية مشوارها، كانت تبحث عن الاستقرار، فصادف وجودها حضور حفل زفاف كانت مدعوة له، ومن محاسن الأقدار تعرفت على أسرة وتبادلا الزيارات، وأثمرت زواجًا.
زوج الشابة كان محدود الدخل، فاتفقا على أن تشتغل الزوجة لتساعد زوجها، فاشتغلت مساعدة في مكتب، ولظروف صحية توقفت عن العمل، ولما أرادت العودة لعملها وجدت مكانها لم يعد شاغرًا، فبحث لها زوجها عن عمل آخر فتفوق في ذلك، والتحقت بعملها الجديد.
وتشاء الأقدار أن تنجب أولادًا، وفي بداية حياتها الزوجية كانت تقطن بغرفة صغيرة داخل شقة، ومع مرور الزمن تحسن وضعها، واشتريت بمعية زوجها شقة، وفرحا بها وتحسن وضعهما الاجتماعي. أولاد يتابعون دراستهم ويتفوقون في النجاح، لكن الشابة الآتية من القرية بدأت تشعر بأنها تمكنت وحققت استقرارًا ونجاحًا في تثبيت وجودها، وأصبحت تكتسب تجربة في عملها بفضل مشغلها، رغم أن مستواها الدراسي كان بسيطًا.
فالتحق بمقر عملها مستخدم يبدو عليه الوقار والجدية في العمل، متزوج وله أولاد، فتوطدت علاقتهما بعدما كانت في بدايتها جد متوترة، لكن مع مرور الأيام تحسنت لما شعرا معًا بتوافق مصالحهما، فأبرما اتفاقًا سريًا بينها، هو خيانة الأمانة، فتعاونا على سرقة مشغلهما، وكانا يظهران الوفاء والجدية والتفاني في العمل.
لكن مع مرور الأيام والسنين بدأت تظهر بعض خيانتهما وتواطؤهما، فانتبه المشغل وحذر، لكن الأمر استمر بل زاد عن حده.
فاكتشف المشغل خيانات المستخدم، فواجهه ببعض منها ولم يستطع أن يبرر أي واحدة، فانصرف لحاله خائبًا، ولم تمض إلا شهور قليلة، فظهرت سرقة الشابة التي صارت عجوزًا شمطاء، فحاولت جاهدة أن تعتذر عما اقترفت، واستمرت في عملها مع مشغلها الذي أشفق على أولادها ومنحها فرصة ثانية، وكان يراقبها عن بعد، فاستمرت في سرقاتها، وكان يعطيها بعض الإشارات.
ومع نهاية السنة الدراسية، اختفت ولم يعد يظهر لها أثر، ربما غادرت المدينة لتقطن في مدينة أخرى، لأن أخبارها وأخبار صديقها انتشرت كالنار في الهشيم، وأصبح أهل المدينة يتسامرون بحكايتهما، حكاية العجوز الشمطاء والراهب.




