ما جعلني أطرح هذا المقال هو أن النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” لم ينجب من غير زوجته خديجة بنت خويلد كل أبناءه / راجع تأويلي لسورة الأحزاب / وبغض النظر عن عددهن ولكن أخص بالذكر مثالاً السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق التي تزوجها بكراً، وكذلك ممن كان لهن أن ينجبن منه ولم ينجبن أو ينجب منهن ولم ينجب.
في تحليلي للسياق العام للعرف المجتمعي العربي آنذاك في القرن السابع الميلادي (610 م – 634 م) كان من الطبيعي أن يكثر بينهم الولد والزيجات، وليس النبي عنهم بمعزل بسبب انتماءه للبيئة العربية الموغلة في تعدد الزيجات، ولا أتكلم ههنا عن شكل أو طبيعة طقوس الزواج قديماً والذي يختلف كلياً عن طريقة ضبطه الآن في العصر الحاضر وبالتحديد القرن الواحد والعشرين.
وصلت في تقديري الشخصي بأن السبب من عدم إنجاب النبي للولد من عديد زوجاته رضي الله عنهن أن مقام النبوة يمنع ويمتنع عنده المعاشرة الجنسية لأي سبب كان وليس مقام النبي كمقام أحدنا مهما بلغ من المعارف الربانية والفيوضات الإلهية بطبيعة الحال، فلم يقربهن لا من بعيد ولا من قريب، وهذا يتضح جلياً من خلال قراءة السيرة النبوية المطهرة ومعرفة الذات المحمدية عن قرب بلا شك.
نتيجة لما ذكر أعلاه، تتغير قواعد الفقه الإسلامي أو أي أثر فكري للعقل الجمعي البحثي عن معاشرة النبي لزوجاته من عدمه، الدال على بينات ما سبق، أنه من الطبيعي أو من السنة – مع تقدير خصوصية كل جماعة وشعب وقانونهما في هذا الباب – النكاح والزواج من أيهن شرفياً أو تشريفياً ولا يدخل في ذلك عدم الالتزام بالمعاشرة أو المقاربة من عدمه أو خلافه، أو وجوب النفقات بكل تفاصيلها، علماً بأن قضية الزواج التشريفي أو الشرفي هي قضية متبناه على غير ما ذكرته الآن فيما يعرف بزواج المسيار بأن يتم عبر التوافق والرضا والقبول والإشهار بين طرفي النكاح، كما يثبت عندي قاعدتين أساسيتين هما في عموم قضايا النكاح والزواج: المقدرة المالية على الانفاق بعامة، والعرف المجتمعي بخاصة، أو ما يعرف بالقانون الوضعي الذي يسمح أو يمنع من تفشيه أو جوازه أو رفضه أو منعه أو قبوله، لكنه بحال من الأحوال يُستشف من ذائقة السيرة النبوية المطهرة وجوب الزواج التشريفي أو الشرفي لما سبق بيانه عاليه وتفصيله أدناه.
الزواج التشريفي أو الشرفي هو عملية قِران صحيحة بموجب الشرع الديني والعرف المجتمعي والقانوني، ولا أميل ههنا إلى ذكر آراء فقه المذاهب الأربعة وما جاورهم في هذا الباب إذ ليس مقامه، بيد أن غرابة الأمر من واقع التسمية بداهة يُرفض هذا المسمى عرفاً واصطلاحاً وعملاً واقراراً، ومن يتأمل في معمعة الزواج المسياري اليوم يجد التشابه حد التطابق مع بعض الفروقات هنا وهناك، وكل هذا ممتد من مركزية تعدد زيجات النبي محمد في القرن السابع الميلادي، ولا غرابة آنذاك في طبيعة شكل العلاقة بينه وبين زوجاته، ولكن الغرابة كل الغرابة أن يُستشف منها قاعدة مقبولية الزواج التشريفي أو الشرفي اليوم.
بصورة أخرى، أقصد به صحة النكاح من غير التزامات مادية أو معنوية أو العكس، حسب الاتفاق بين الزوجين او الطرفين وحسب ما يحدده العرف المجتمعي الحديث وبالأخص القانون علماً بأن القانون أصلاً مستمد من العرف الاجتماعي محضاً وصرفاً وعدلاً اينكا وجد، فإذا غلب على العرف سيرورته وصيرورته وجب على القانون تقريره واعتماده بلا تأن، أما مسألة الأبناء الناتجين عن تلك العلاقة الطبيعية مع تقدير اختلاف مقام النبوة من مقام أحدنا، هو بمثابة ابن شرعي معترف به ولهو من الحقوق والشروط والواجبات له ما له وعليه ما عليه على أن تكون الحياة الزوجية شراكة في التربية والتنشئة والنفقة وما إلى ذلك.
لاحظ، كل آيات النكاح والزواج والطلاق والحقوق والواجبات في القرآن الكريم بسورة البقرة (الطلاق، النساء) تحديداً والمترتبة عليهم، جعلت القاعدة الأساس في التعامل والحياة فيما يقره العرف المجتمعي والتعايش السلمي الإنساني العالمي المتجدد المتسارع بطبيعة تسارع تطور العقل البشري قاطبة في الخلق والابتكار نواةً لما بعدها ارتكازاً لما قبلها.
إن التشريف النسبي سواء كان للأسرة أو العائلة أو القبيلة أو الشعب أو الوطن أو خلافه للزوج أو للزوجة، للمرأة أو للرجل، لهو نسب ملحوق بأيهم كان، يعني أن يقترن الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل على خلاف ما هو حادث الآن بموجب الاتفاق بينهما على طبيعة شكل العلاقة وتفاصيل الحياة المشتركة بينهما لهو الأساس القائم على ديمومة الإصلاح المجتمعي من ناحية التكاثر والتناسل ومنع الزنا والفاحشة والبغاء ولهو القاسم المشترك مع فارق الوقت وطبيعة المجتمعات في أي زمان ومكان ارتباطاً بمركزية حياة النبي محمد الممتدة عبر الزمان والمكان والعقل الجمعي الإسلامي أو الإنساني لآخر الدهر، في تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة.
في بعض الأعراف الغربية اليوم، يوجد هذا النوع من الزواج لكنه غير مبني على الإلتزام المخل نسبياً، بل ليحفظ التوازن الاجتماعي من الانهيار المحض في مقارنة بقيمنا الإسلامية السمحة، وهذا يدخل حاق بداية اتفاقية شكل العلاقة بين الطرفين، لكنه في غالبه الأعم نتج عنه التدهور الاجتماعي للعادات والتقاليد المنضبطين وكان لزاماً على القوانين التشريعية الوضعية لهم أن تقر هذا الزواج (قوننة الجنس والتجانس) بشكل من الأشكال بمفهوم عقيدة الحريات العامة وحقوق الإنسان في ظل حماية الدولة المدنية الحديثة والقانون المحلي والتي هي مبنية في الأساس على النظام العالمي المتجدد في بلورة القوانين حسب تسارع تطور العقل الجمعي الحادث عندهم ولا يعني هذا مطلقاً أننا ننظر إليهم للتقليد والمحاكاة بل تاريخنا الإسلامي والعربي يبديان ذلك جيداً لمن أعمل النظر في قرآءة التاريخ القديم الطويل بأى طرح كان من باب طبيعة البشر بعامة.
إن مقام النبوة في تقديري الشخصي منع من معاشرة الزوجات كفاية بالزوجة الأولى وهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ولك أن تلاحظ ذلك جيداً في عدم مقاربته ومعاشرته لزوجاته بعد إذن البعث والتبليغ بالرسال ، إذ كان ذلك قبلها، قال تعالى من سورة الأحزاب : {… قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج، وكان الله غفوراً رحيماً * ترجي من تشاء وتئوي إليك من تشاء، ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن، والله يعلم مافي قلوبكم، وكان الله عليماً حليماً * لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك، وكان الله على كل شيء رقيباً}.
لا ينطبق ذلك بطبيعة الحال على غيره من الناس لا رجل ولا امرأة لأن مقام النبوة المحمدية مقام استثناء فلن يتكرر مدى الدنيا، واعني به مقاربة الأزواج ، بينما يتكرر مدى الدهر لمن بعده من الخلق لاختلاف المقام والكبرياء النبوي فلنا الممارسة والمعاشرة في إطار الاتفاق والعرف المجتمعي والقانون المحلي كما لا يخفى.
فيما بعد، يمكن تقرير الآتي:
1. جواز الزواج والنكاح الشرفي أو التشريفي وفق الشروط المتبعة عند التعاقد.
2. ممارسة الحياة طبيعياً والمعاشرة والانجاب لا التقيد باستثنائية خاصية النبي ولاختلاف مقام النبوة منه إلى بقية الخلق.
3. الاتفاق بين الطرفين والعرف المجتمعي للعقل الجمعي الإسلامي الحادث وللانساني أيضاً والقانون هو المتبع في تطبيق حق الحياة بالنكاح أو الزواج المشار إليه بخاصة.
4. الدليل على جواز ووجوب وامكانية ذلك هي الآية السابقة من سورة الأحزاب التي خصصت ولخصت حالة النبوة وأطلقت الحالة العامة للناس بموجب العرف والتقليد والعادة والقانون المستمد منهم.
5. غض النظر عن أي التزامات مادية أو عينية من عدمهما قبل الشروع والدخول في منظومة العقد الشرعي المشار إليه، هذه مسألة تخص الطرفين فقط لا الأهل ولا العشيرة ولا المجتمع وما أشبه ، وليس لأحد حق التدخل فيما اتفقا عليه إلا بالتراضي.
6. لم يعاشر النبي أي من زوجاته خلاف أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وكان ذلك قبل المبعث الشريف بما يوافق طبيعة بشريته وانسانيته وذاتيته.
7. أقدر بضرورة تغيير الفهم الخاطئ عن معاشرة النبي لكل زوجاته في ليلة واحدة أو متباعدة والتي تشير إلى شهوانية أكثر منها إلى إنسانية أو نبوية بالتحديد.
8. الآية المرجعية عاليه، حددت طبيعة وشكل العلاقة بين النبي وزوجاته من عدم زيادة التعدد أو التبدل أو التطليق والإبقاء على ما لديه من زوجات ، بينما أباحت ذلك لمن هم دونه من الناس.
9. تقدير إسقاط كل الفتاوي الصادرة من الأشخاص أو المؤسسات المنتسبة إلى الإسلام وتفتي باسمه ما يتعلق بالمعاشرة والغسل وما إلى ذلك، بناء على ما سبق.
10. الزواج الشرفي أو التشريفي قضية تقديرية لا فرضية وهي إحدى واجهات منع الرذيلة والفاحشة والبغاء ومحاربة غلاء تكاليف الزواج والمهور وطقوسهما المانعة للشباب من النكاح أو الزواج الشرعي الشريف وهو في ذات الوقت دافع للشباب والشابات للستر والعفة والحفظ والصون والكرامة وبناء مجتمع متعافي وأسرة كريمة وحياة نظيفة بطبيعة الحال.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.




