أفريقياتقاريرسياسة
أخر الأخبار

أزمة مالية تعصف بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي (جنوب إفريقيا).. وجبهة البوليساريو أكبر المتضررين

تواجه قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أزمة مالية حادة تهدد استقراره الداخلي وصورته محليا ودوليا..

نشرت الصحافة الجنوب إفريقية خلال الأسبوع الماضي مذكرة داخلية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، يخبر من خلالها أطره وموظفيه بعدم قدرته على الوفاء بأجورهم، علما أن عددهم يتجاوز الالف، وتتجاوز مخصصاتهم الشهرية خمسة ملايين درهم مغربي، فيما يستعد هؤلاء لخوض معارك ووقفات احتجاجية للدفاع عن حقوقهم.

إن الرسالة الداخلية المؤرخة في 25 نونبر 2025، التي أبلغت الموظفين بالتأخير في معالجة رواتبهم دون تقديم سبب مفصل، ليست الأولى من نوعها، إذ أن تراكم ديون صناديق التقاعد والاستحقاقات الاجتماعية معروف منذ عدة سنوات.

تجليات الأزمة المالية

تتجسد مظاهر الأزمة المالية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي بشكل واضح في عدد من القرارات والتحركات الأخيرة، ومنها:

1. دعوة التنظيمات المحلية للمساهمة في تغطية النفقات الحزبية

حملت المذكرة دعوة صريحة للتنظيمات المحلية للحزب في الأقاليم، والتي كانت تحظى سابقا بدعم مركزي كبير يغطي مصاريف مقراتها وموظفيها، إلى الاعتماد على مواردها الذاتية لحضور المجلس الوطني للحزب والتكفل بإيواء وتغذية أطرها. ويعكس هذا الإجراء حجم الأزمة التي مست كل مستويات الحزب.

2. غياب حزب ANC عن المنتديات السياسية الدولية

بعدما كان لاعبا رئيسيا في عدد من المنظمات السياسية والحزبية على الصعيدين القاري والدولي، يسجل الحزب اليوم تراجعا كبيرا في الحضور وصل إلى حد التقصير في دفع واجبات الانخراط.

هذا الغياب فسح المجال أمام أحزاب أخرى، مثل الحركة الشعبية لتحرير أنغولا MPLA، لاحتلال مواقع متقدمة داخل منظمات سياسية كالأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي، إضافة إلى منظمات إفريقية وجهوية أخرى.

كيف تحول حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من سياسة الرفاه إلى العوز؟

تاريخيا، و حتى قبل سقوط نظام الأبارتايد، كانت موارد الحزب وفيرة، وتذكر تقارير محايدة أنه كان يتلقى دعما سخيا من عدد من المتعاطفين داخل البلاد وخارجها، من رجال الأعمال والمواطنين، مع احتمال حصوله على دعم قوي من نظام القذافي آنذاك ومن عدة دول عربية وإفريقية تضامنا مع مشروعية نضاله و قضيته.

1. أسباب أزمة السيولة لدى حزب ANC

أ. انخفاض التبرعات والمساهمات

إن تراكم فضائح الفساد وفقدان الثقة في القيادة الحالية للحزب والانقسامات الداخلية، جعل المتبرعين التقليديين من رجال الأعمال والشركات يتراجعون عن دعمهم، خوفا من إقحامهم في ملفات الفساد المثيرة المعروضة أمام القضاء، وفضل كثيرون دعم حركات سياسية أخرى أكثر وسطية وأقل تطرفا من ANC.

ب. تطبيق قانون شفافية تمويل الأحزاب

أثر دخول قانون تمويل الأحزاب سنة 2021 بشكل مباشر على مالية الحزب، إذ يلزم المتلقي بالكشف عن مصادر التبرعات التي تتجاوز سقفا محددا، ويحد من التبرعات الكبيرة غير المعلنة، ما أدى إلى تقلص موارد الحزب.

ج. سوء الإدارة المزمن لمالية الحزب

إن تراكم الضرائب وعدم دفع مستحقات صناديق التقاعد، إضافة إلى الآلة التنظيمية الضخمة من كوادر وموظفين، أثر بشكل مباشر على مالية الحزب. كما أن تضخيم النفقات غير المبرر خلال الحملات الانتخابية واللقاءات الجماهيرية، وتحويل جزء من الأموال لخدمة أجندات خارج البلاد ودعم عدد من الحركات لأسباب أيديولوجية، كلها عوامل اعتبرها كثيرون شكلا من سوء إدارة الموارد.

التداعيات السياسية للأزمة المالية

يمكن تلخيص التداعيات السياسية لهذه الأزمة في عدة محاور مترابطة:

1. تراجع صورة الحزب داخل المجتمع

إن عجز حزب يحكم البلاد عن دفع أجور موظفيه يثير قلق الناخبين ويقوي الشكوك حول قدرته على إدارة شؤون الدولة، مما سيؤدي إلى مزيد من التراجع في التأييد الشعبي، خاصة مع ارتفاع وتيرة المنافسة السياسية و الانتخابية.

2. تراجع صورة الحزب في إفريقيا والعالم

كون الحزب من أكبر الحركات السياسية في القارة، فإن تبديد الشرعية الأخلاقية والتاريخية التي اكتسبها مع زعيمه نيلسون مانديلا سيؤثر على موقعه، و سيكشف التوترات الداخلية للعلن، وقد يدفعه إلى تبني سياسات استهدافية شرسة تضر بعلاقاته مع الشركاء الدوليين.

3. انعكاسات الأزمة على دعمه للبوليساريو

يعتبر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي تاريخيا من أكبر الداعمين السياسيين والماليين لجبهة البوليساريو، ومع الأزمة الحالية، ستتقلص قدرته على تمويل بعثاته وتحركاته، وسيتراجع تأثيره الدبلوماسي لصالح أطراف أخرى، مثل حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، مما سيزيد من عزلة الجبهة الانفصالية و يفاقم الوضعية الإنسانية الصعبة بالمخيمات، و يشعل الصراع بين قياديها حول القليل من المخصصات الموجودة.

4. التأثير على استقرار الحزب داخليا

من المتوقع أن تفاقم الانقسامات الداخلية بسبب صراع الأجنحة حول القيادة، وسيؤدي غياب الموارد المالية إلى ضعف ضبط الهياكل التنظيمية، مما سيعرقل الاستعداد للانتخابات المقبلة، علما أن الحزب فقد الأغلبية المطلقة داخل البرلمان في الانتخابات البرلمانية السابقة.

خلاصة

تواجه قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أزمة مالية حادة تهدد استقراره الداخلي وصورته محليا ودوليا.

ويعكس هذا الوضع تراكم المشكلات المالية والإدارية وفقدان الثقة، كما يؤثر بشكل مباشر على دوره السياسي في إفريقيا ودعمه لجبهة البوليساريو.

واليوم، أصبح الحزب أمام فرصة لإعادة ترتيب أولوياته وتعزيز الشفافية والعودة لدوره الإيجابي في القارة، عبر دعم وحدة الدول والشعوب ونشر السلام، بدلا من الاستثمار في النزاعات، وذلك حفاظا على ذاكرة نيلسون مانديلا ومكانته التاريخية.

https://anbaaexpress.ma/s0wxp

مشيج القرقري

عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عضو لجنة الاخلاقيات بالأممية الاشتراكية مسؤول العلاقات الخارجية مع دول أمريكا الاثينية وأفريقيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى