صادقت لجنة الثقافة في البرلمان الإسباني على مبادرة تقدّم بها ائتلاف Sumar اليساري، تقترح إدخال رؤية تعليمية جديدة تضع تاريخ الاستعمار الإسباني في المغرب تحت مجهر نقدي يلامس قيم حقوق الإنسان، في محاولة للحدّ من موجات الكراهية التي تتغذى عليها الدعاية اليمينية المتطرفة داخل المجتمع الإسباني.
ظهر المقترح كأنّه إعلان عن رغبة في مواجهة رواية رسمية تكلّست لعقود، خصوصاً مع عودة خطاب اليمين إلى استغلال الذاكرة الاستعمارية كسلاح مفاهيمي يبرّر الإقصاء ويشرعن التنميط.
وهكذا وجد الائتلاف الحاكم نفسه مضطراً إلى الدفع نحو إعادة فتح ملف الحماية الإسبانية بين 1912 و1956، بما يحمله من طبقات معقدة تبدأ بحرب الريف ولا تنتهي عند التحولات العميقة التي صنعتها تلك المرحلة في الضفتين معاً.
وتسعى المبادرة إلى إدراج هذا التاريخ في مناهج التعليم الثانوي والبكالوريا بطريقة تربط الحدث بسياقه، وتنتقل من الحكاية إلى التحليل، ومن التمجيد إلى النقد، ليجد التلميذ نفسه أمام لوحة تاريخية متشابكة تقدّم فهماً أعمق للتوترات التي شكّلت البحر المتوسط وما زالت تتردد أصداؤها.
وتعتبر Sumar أن حرب الريف تمثّل نقطة الارتكاز الأساسية في هذا التحول. فالسنوات الممتدة بين 1921 و1926 لم تكن مجرّد مواجهة عسكرية، بل مختبراً لولادة وعيٍ جديد بالصراع، وتاريخاً دامياً كلّف آلاف الجنود الإسبان —أغلبهم من الفقراء والمجندين قسراً— ثمناً باهظاً، مقابل فاجعة إنسانية لحقت بالمدنيين في الريف، بعد القصف الجوي العشوائي واستعمال الغازات السامة المحرمة دولياً.
ويعيد المقترح تسليط الضوء على معركة الحسيمة التي تحلّ ذكراها المئوية هذا العام، باعتبارها الحدث الذي أعاد رسم ميزان القوة في المنطقة عبر أول إنزال بحري وجوي منسّق في التاريخ الحديث، بمشاركة الجيشين الفرنسي والإسباني، وهو التحول الذي سرّع انهيار المقاومة الريفية خلال أشهر قليلة.
ولا تتعامل الحركة مع هذا الجزء من التاريخ على أنه صفحة مطوية، بل كبوابة لفهم كيفية تشكيل العقيدة العسكرية الإسبانية لاحقاً، خاصة وأن شخصيات مثل فرانثيسكو فرانكو وإيميليو مولا صعدت من بوابة حرب الريف نفسها، قبل أن تلعب أدواراً حاسمة في انقلاب 18 يوليو 1936 الذي فجّر الحرب الأهلية الإسبانية، وهو ما يمنح هذا التاريخ بعداً تفسيرياً لمسارات لاحقة في إسبانيا المعاصرة.
المذكرة المرفقة بالمبادرة تشير إلى أن إعادة قراءة هذا الإرث ليست ترفاً أكاديمياً، بل مطلباً يتماشى مع روح الذاكرة الديمقراطية الأوروبية التي تشترط كشف الحقيقة، والاعتراف بالضحايا، وتفكيك السرديات التي تحوّل الماضي إلى أداة للوصم بدل أن يكون مصدراً للفهم.
وتشدّد المبادرة على أن آثار المرحلة الاستعمارية ما زالت حاضرة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق التي خضعت لها، وأن تجاوزها يحتاج إلى مسار تربوي يعيد بناء الوعي النقدي لدى الأجيال الجديدة، ويحدّ من الخطاب العنصري الذي يجد في الجهل أرضاً خصبة.
كما تقترح Sumar مواكبة هذا التحول التعليمي بإطلاق برامج تعريفية بالتاريخ المشترك بين المغرب وإسبانيا، وتعزيز التنسيق مع المؤسسات الثقافية المغربية، خصوصاً في منطقة الريف، لضمان بناء ذاكرة جماعية أكثر توازناً وشمولاً، وتحصين العلاقات الثنائية من القراءات الانتقائية التي تستدعي التوتر بدل الحوار.
وفي خلفية هذا النقاش، تراهن الجهات الداعمة للمبادرة على أن إدراج هذا المحتوى في البرامج التعليمية سيشكّل خطوة نحو جيل أكثر وعياً بخلفياته المتعددة، وأكثر قدرة على الفصل بين التاريخ بوصفه معرفة، والخطاب السياسي بوصفه صناعة للخوف حينما يستدعي الماضي كسلاح جاهز للاستخدام.




