الشرق الأوسطسياسة
أخر الأخبار

غزة بين التعجيل الأميركي والتعقيد الميداني.. ترامب يلوح بالتصعيد ونتنياهو يناور سياسيا

تعكس تصريحات ترامب ونتنياهو وفق محللين محاولة لإعادة الإمساك بخيوط المشهد الإقليمي عبر مزيج من الدبلوماسية والتهديد، غير أن الوقائع على الأرض توحي بأن أي انتقال سريع إلى مرحلة جديدة في غزة يظل رهيناً بمعادلات أعقد من مجرد تفاهمات سياسية عابرة.

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ولاية فلوريدا، عن أمله في الانتقال السريع إلى المرحلة الثانية من خطة التعامل مع قطاع غزة، في وقت أعاد فيه التلويح باستخدام القوة ضد إيران إذا ما أعادت إحياء برنامجها النووي عقب الضربات التي تعرض لها في يونيو الماضي.

وفي تصريحات أدلى بها من منتجع “مارالاغو”، أكد ترامب أنه توصّل مع نتنياهو إلى تفاهمات أولية حول ثلاث ملفات معقدة تتعلق بغزة خلال اجتماع قصير، في إشارة إلى رغبة أميركية في كسر الجمود الذي يطبع تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والذي لا يزال متعثراً رغم مرور أشهر على دخوله حيز التنفيذ.

وتسعى واشنطن، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية ماركو روبيو الأسبوع الماضي، إلى تسريع تشكيل إدارة انتقالية للقطاع، تتكون من مجلس سلام وهيئة مدنية من التكنوقراط الفلسطينيين، تتولى تسيير شؤون غزة مؤقتاً، إلى حين نشر قوة أمنية دولية حازت تفويضاً رسمياً بموجب قرار مجلس الأمن الصادر في 17 نوفمبر. غير أن هذه الخطة تصطدم بواقع ميداني وسياسي شديد التعقيد.

فإسرائيل وحركة حماس تتبادلان الاتهامات بخرق بنود الاتفاق، بينما لا تظهر أي مؤشرات جدية على استعدادهما لتقديم تنازلات في القضايا الجوهرية للمرحلة المقبلة، وعلى رأسها ملف السلاح والسيطرة الأمنية. وتواصل حماس، التي ترفض بشكل قاطع نزع سلاحها، إعادة ترسيخ حضورها في القطاع، في ظل بقاء القوات الإسرائيلية متمركزة في مناطق واسعة تمثل نحو نصف مساحة غزة.

في المقابل، لم تُخفِ إسرائيل نيتها العودة إلى الخيار العسكري إذا فشلت الجهود السياسية في دفع الحركة إلى التخلي عن ترسانتها، وهو ما يجعل وقف إطلاق النار القائم أقرب إلى هدنة هشة منه إلى تسوية مستقرة.

ورغم تراجع وتيرة المعارك مقارنة بالفترة السابقة، فإن العمليات العسكرية لم تتوقف كلياً، إذ تشير معطيات صحية في غزة إلى سقوط مئات الضحايا المدنيين منذ الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار في أكتوبر، مقابل مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين في هجمات متفرقة.

التوتر الإقليمي لا يقتصر على الساحة الفلسطينية. ففي لبنان، أنهى اتفاق مدعوم أميركياً في نوفمبر 2024 أكثر من عام من المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، واضعاً نزع سلاح الحزب جنوب نهر الليطاني كشرط أساسي.

وبينما تؤكد السلطات اللبنانية اقترابها من استكمال هذا الالتزام قبل نهاية العام، لا يزال حزب الله يبدي مقاومة واضحة لأي تفكيك شامل لقدراته العسكرية، ما يدفع إسرائيل إلى التشكيك في جدية التنفيذ، ومواصلة ضربات شبه يومية تقول إنها استباقية.

أما على الجبهة الإيرانية، فتتزايد مؤشرات القلق. فطهران، التي خاضت مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل استمرت 12 يوماً في يونيو، أعلنت مؤخراً تنفيذ تدريبات صاروخية جديدة، في خطوة قرأتها تل أبيب كرسالة ضغط متبادلة.

ورغم تأكيد نتنياهو أن بلاده لا تسعى إلى حرب مفتوحة مع إيران، فإن حديثه عن “متابعة دقيقة” لهذه الأنشطة يعكس استعداداً للتصعيد إذا اقتضت الضرورة.

وتعكس تصريحات ترامب ونتنياهو وفق محللين محاولة لإعادة الإمساك بخيوط المشهد الإقليمي عبر مزيج من الدبلوماسية والتهديد، غير أن الوقائع على الأرض توحي بأن أي انتقال سريع إلى مرحلة جديدة في غزة يظل رهيناً بمعادلات أعقد من مجرد تفاهمات سياسية عابرة.

فغياب الثقة بين الأطراف، وتشابك الملفات من غزة إلى لبنان وإيران، يجعل المنطقة عالقة في حالة توازن هش، حيث يدار الصراع لا بهدف حله، بل لمنع انفجاره الشامل مؤقتاً.

وفي هذا السياق، يبدو أن المرحلة المقبلة لن تكون اختباراً للخطط الأميركية بقدر ما ستكون اختباراً لقدرة الأطراف الإقليمية على تفادي الانزلاق نحو مواجهة أوسع.

https://anbaaexpress.ma/qgx5q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى