في أحدث خروج إعلامي له، قدّم رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش عبر صحيفة” la razón ” الإسبانية سياسياً يتجاوز حدود التصريح التقليدي ليلامس جوهر التحولات التي تقودها الرباط في ملف الصحراء.
فحديثه عن “موقف ثابت وعادل” تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس لا يأتي مجرد تأكيد رسمي، بل كإشارة إلى مرحلة دبلوماسية يعتبرها المغرب لحظة مفصلية بعد القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي يقرأه المسؤولون المغاربة كخطوة تمهّد لمرحلة أكثر وضوحاً في مسار التسوية.
ويبدو أن الرباط تحاول اليوم الانتقال من الدفاع عن موقفها إلى بناء شرعية قانونية وسياسية تقوم على فكرة أن دعم الوحدة الترابية لم يعد مجرد ملف سياسي، بل أساس لإعادة تشكيل شراكاتها الدولية. وهو ما ينسجم مع رؤية مغربية أعادت ترتيب أولوياتها الخارجية، بحيث أصبحت الصحراء معياراً يحدد طبيعة التحالفات ومداها.
الرسالة الأبرز في تصريحات أخنوش تتمثل في أنّ القرار الأممي يفرض على الأطراف إعادة تموضعها. فالمغرب يقرأ اللحظة الحالية باعتبارها فرصة لإطلاق تصور إقليمي جديد، ليس عنوانه إدارة النزاع، بل تحويل الأقاليم الجنوبية إلى بوابة للتنمية والاندماج الاقتصادي، وهو توجه يستند إلى استراتيجية ملكية ممتدة طوال أكثر من ربع قرن.
البعد الإسباني: شريك استراتيجي أم نقطة ارتكاز؟
عند التوقف عند إسبانيا، لا يبدو كلام أخنوش مجرد إشادة دبلوماسية، بل تثبيت لواقع سياسي جديد في أوروبا، فالموقف الإسباني لم يعد ـ بالنسبة للرباط ـ حدثاً عابراً، بل منعطفاً يسمح بإعادة تشكيل ميزان المواقف داخل الاتحاد الأوروبي.
ومن الواضح أن المغرب يوظف الأرقام والتبادل التجاري وحجم الاستثمارات والكتلة البشرية المغربية في إسبانيا كعنصر يثبت أن العلاقات لم تعد مجرد تعاون ثنائي، بل شبكة مصالح تجعل اصطفاف مدريد خياراً استراتيجياً يصعب التراجع عنه.
وبقدر ما يبرز الجانب الاقتصادي، يظهر ملف الهجرة كورقة سياسية ذات طابع استراتيجي، فالرباط ومدريد تجاوزتا مقاربة التدبير التقني نحو بناء ثقة تتجسد في شراكة شاملة، تُتوج باتفاقيات متتالية، كان آخرها حزمة الاتفاقات الموقعة خلال الاجتماع الرفيع في مدريد.
توسيع معنى الدبلوماسية وتثبيت معادلات جديدة
من خلال هذه التصريحات، يبدو أن المغرب يعيد دمج ملف الصحراء داخل إطار دبلوماسي واقتصادي واحد، بحيث تتحول الوحدة الترابية إلى نقطة ارتكاز لإعادة صياغة التحالفات وإنتاج توازنات إقليمية جديدة، وهو تحوّل يقوده المغرب على مهل، مستثمراً السياق الدولي المتغير، ومراكمًا لخطوات جعلت موقفه يتحول تدريجياً من دفاع تاريخي إلى مبادرة تفرض نفسها في مراكز القرار الدولي.
إن قراءة تصريحات أخنوش تكشف أن الأمر يتجاوز سرد موقف رسمي، إلى تقديم ملامح مرحلة تتجه نحو إعادة رسم خرائط الاصطفافات، بما يجعل المكاسب الدبلوماسية مدخلاً لمرحلة تسوية تتأسس على قوة واقعية وسياسية لا على جدل نظري.
بهذه المنهجية، يبدو أن الرباط لم تعد تناقش الاعتراف بمقاربتها، بل تعمل على جعلها إطاراً مرجعياً لكل من يريد شراكة متوازنة مع المغرب في المستقبل.
