بدر شاشا
ما الذي يقع في الصحافة والإعلام في المغرب، وإلى أين نسير هذا السؤال أصبح اليوم حاضرًا بقوة لأن المشهد الإعلامي المغربي يعيش مرحلة انتقالية صعبة تتداخل فيها التحديات المهنية والسياسية والاقتصادية، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى إعلام قوي وصادق ومسؤول، يعكس الحقيقة وينقل مطالب الشعب، ويقدم صورة واضحة عن الأوضاع والمشاكل والمعاناة التي يعيشها الناس.
الصحافة ليست مهنة عادية، وليست مجرد عمل يومي، بل هي دور اجتماعي ووطني كبير هي رئة المجتمع وصوت الناس وعين الوطن، هي التي تحمي الحقيقة من الضياع، وهي التي تكشف الخلل والفساد، وهي التي تمنح صوتًا لمن لا يملك صوتًا، وفي المغرب كانت الصحافة دائمًا عنصرًا مهمًا في النقاش العام، وفي الدفاع عن الحرية والعدالة والكرامة، لكنها اليوم تواجه أسئلة كبيرة حول مستقبلها وقدرتها على التأثير وجدوى وجودها بالشكل الذي كان.
نرى اليوم صحافيين محترمين ومراسلين ميدانيين وكتاب رأي يحملون همّ الوطن ويناضلون بالكلمة ويقفون تحت الشمس، وفي الميدان لتصوير الأحداث ونقل مشاكل الناس ومطالب المواطنين ومعاناتهم اليومية.
لكن مقابل ذلك، نرى تراجعًا في دعم هذه الفئة تراجعًا في الثقة في الإعلام تراجعًا في الإمكانيات المادية واللوجستية التي تساعدهم على أداء واجبهم، كما يجب نرى غياب إطار تنظيمي حديث يضمن الحماية المهنية والأمان الوظيفي ويؤسس لمشهد إعلامي قوي ومتوازن.
المغرب يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعلام مهني نزيه، قادر على فهم التحولات وقادر على نقل الحقيقة دون خوف وقادر على تحليل الأحداث بذكاء وربطها بسياقات وطنية، لأن الإعلام هو شريك في التنمية وليس متفرجًا، الإعلام هو قوة ناعمة للدولة وهو عنصر أساسي في استقرار المجتمع وتقدمه، الإعلام هو الذي ينقل مشاكل التعليم والصحة والبيئة والفقر والبطالة والغلاء، الإعلام هو الذي يفتح النقاش ويطرح الأسئلة ويدفع المسؤولين إلى التحرك.
لكن حين يتم إقصاء الصحافيين الصادقين أو تجاهل المراسلين الذين يعملون في الميدان دون حماية أو دون دعم، حين يتم تهميش كتاب الرأي الذين يكتبون بضمير، حين يتم إضعاف المؤسسات الصحافية الكبرى، التي صنعت تاريخًا حين يصبح الصحافي آخر من يُسمع صوته فإننا نكون أمام خطر تراجع الدور الحقيقي للإعلام في المغرب، وهذا أمر لا يخدم الوطن لأن غياب الإعلام القوي يعني غياب الرقابة وغياب الوعي وغياب الإصلاح.
الإعلام في المغرب يجب أن يُعاد إليه الاعتبار يجب تقوية مؤسساته يجب دعم الجرائد الورقية والقنوات والإذاعات والمجلات، يجب الاهتمام بالصحافي كمهنة نبيلة تستحق الاحترام والتقدير والعيش الكريم، لا يمكن أن نطلب من الصحافي أن يكون قويًا وشجاعًا ومهنيًا وهو يعيش وسط ظروف صعبة وبدون دعم ولا حماية قانونية ولا أفق مهني واضح،
الصحافة المغربية ليست مجرد ناقل للأخبار بل هي مرآة المجتمع، هي التي تظهر المشاكل الحقيقية التي يعيشها الناس من الماء والكهرباء، إلى النقل والغلاء والصحة والتعليم، وهي وسيلة تربط المواطن بوطنه وبهمومه اليومية، وهي الذراع التي توصل صوت الفلاح والعامل والموظف والطالب وربّة البيت، كما توصل صوت الفنان والمفكر والسياسي والخبير.
الدولة القوية لا تبنى فقط بالطرق والمشاريع، بل أيضًا بإعلام قوي يرافق التنمية ويشرحها وينقدها ويحسنها ويحميها من الانحراف، الدولة القوية تحتاج إلى صحافة مستقلة وواعية وليس صحافة صامتة أو خائفة أو مهمشة.
ولذلك فإن السؤال، إلى أين نسير مهم جدًا لأنه يحدد مستقبل الإعلام المغربي، إما أن نكون أمام مشهد صحافي قوي مهيكل مدعوم يحظى بالثقة والاحترام، وإما أن نترك الميدان يضعف ويتراجع ويصبح فارغًا من المهنية وممتلئًا بالسطحية والغموض، وهذا خطر على المجتمع قبل أن يكون خطرًا على الصحافة نفسها.
حان الوقت لبناء رؤية وطنية شاملة لإعادة القوة للصحافة المغربية دعمًا ماليًا وتنظيميًا وتكوينيًا وحماية قانونية وتمكينًا للمراسلين والكتاب والصحافيين، حتى يقوموا بواجبهم الوطني والاجتماعي بأمان وكرامة، لأن الإعلام ليس رفاهية، بل ضرورة وحاجة أساسية في أي بلد يريد أن يتقدم.




