جدد الاتحاد الأفريقي موقفه الرافض لأي اعتراف بما يُعرف “بجمهورية أرض الصومال”، على خلفية إعلان إسرائيل الاعتراف بهذا الكيان، مؤكّدًا تمسّكه بوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية.
هذا الموقف عبّر عنه بوضوح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، في بيان رسمي شدّد فيه على أن أرض الصومال «جزء لا يتجزأ من الدولة الصومالية»، وأن أي مساس بوحدتها الترابية يتعارض مع المبادئ التأسيسية للمنظمة القارية.
ويستند هذا الرفض، وفق البيان، إلى مرجعية قانونية وتاريخية راسخة داخل الاتحاد الأفريقي، تتمثل أساسًا في مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستقلال، كما أقرّته منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1964.
وهو المبدأ الذي شُيّد عليه جزء كبير من النظام الإقليمي الأفريقي، باعتباره صمام أمان لتفادي النزاعات الحدودية والانقسامات الداخلية. غير أن استحضار هذا الأساس القانوني يعيد إلى الواجهة، مرة أخرى، إشكالية التناقض في تطبيقه عبر محطات مختلفة من تاريخ المنظمة.
ففي ستينيات القرن الماضي، دافعت دول محورية، من بينها الجزائر ومصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، عن هذا المبدأ في سياق مواجهة مطالب مغربية باستعادة الصحراء الشرقية، التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي.
ومنذ ذلك الحين، أصبح احترام الحدود الاستعمارية قاعدة شبه مقدسة داخل المنظومة الأفريقية، رغم ما تحمله من تعقيدات تاريخية وسياسية.
تحذير من سابقة جديدة
في بيانه، لم يكتف رئيس المفوضية بتأكيد الموقف القانوني، بل حذّر أيضًا من أن أي اعتراف بأرض الصومال قد يفتح الباب أمام «سابقة خطيرة» من شأنها تهديد الاستقرار الإقليمي، في قارة لا تزال تعاني من هشاشة الدولة الوطنية وتعدد بؤر النزاع.
ويأتي هذا التحذير في ظل ذاكرة أفريقية مثقلة بتجربة انفصال جنوب السودان سنة 2011، التي شكّلت استثناءً بارزًا في تاريخ القارة الحديث.
غير أن مقارنة الحالتين تكشف عن فارق جوهري غالبًا ما يتم التغاضي عنه في الخطاب الرسمي. فاستقلال جنوب السودان جاء تتويجًا لاتفاق سلام شامل، تلاه اعتراف رسمي من حكومة الخرطوم بالدولة الجديدة، قبل انضمامها إلى الاتحاد الأفريقي في غشت 2011.
أما في حالة أرض الصومال، فلا يوجد اعتراف من الدولة الأم، ولا إجماع دولي، ولا مسار أممي يضفي شرعية قانونية على مشروع الانفصال.
ازدواجية المعايير داخل المنظمة
رغم هذا التوضيح، يظل موقف الاتحاد الأفريقي عرضة لانتقادات تتعلق بازدواجية المعايير، تعود جذورها إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين قبلت المنظمة بعضوية «الجمهورية الصحراوية» المعلنة من جانب واحد، رغم عدم حصولها على اعتراف من الأمم المتحدة.
هذه السابقة ما تزال تثير جدلًا واسعًا، ليس فقط داخل القارة، بل أيضًا على مستوى الشركاء الدوليين للاتحاد.
وتبرز هذه المفارقة بشكل خاص عند مقارنة تعامل الاتحاد مع ملف البوليساريو، مقابل تشدده في قضايا أخرى تتعلق بالوحدة الترابية للدول الأعضاء. وهو تناقض تشير إليه بانتظام قوى دولية كبرى، من بينها الصين وروسيا، اللتان ترفضان مشاركة البوليساريو في القمم والاجتماعات الوزارية التي ينظمها الاتحاد الأفريقي.
وقد انعكس هذا الموقف في أكثر من محطة دبلوماسية، من بينها إعلان القاهرة الصادر عقب المنتدى الاقتصادي المنعقد في دجنبر 2025، إضافة إلى البيان الختامي لقمة روسيا–أفريقيا في يوليوز 2023 بسانت بطرسبرغ، التي أكدت صراحة أن الشراكة الروسية–الأفريقية تقوم مع «الدول المعترف بها من قبل الأمم المتحدة»، في إشارة لا تخلو من دلالات سياسية.
آفاق مفتوحة على مزيد من الإحراج
في ظل هذا السياق، يلوح في الأفق سيناريو قد يزيد من تعقيد موقف الاتحاد الأفريقي، خاصة بعد تداول معطيات حول احتمال إقدام إسرائيل على الاعتراف بما يسمى «جمهورية القبائل»، التي أُعلن عنها في باريس منتصف دجنبر.
وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فمن المرجح أن تجد المنظمة القارية نفسها مرة أخرى أمام اختبار صعب، يفرض عليها الدفاع عن مبادئها المعلنة، وفي الوقت ذاته مواجهة إرثها المليء بالاستثناءات.
وبين التشبث بوحدة الدول الأعضاء والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، يبدو الاتحاد الأفريقي مطالبًا أكثر من أي وقت مضى بتوضيح معاييره، ليس فقط في مواجهة الاعترافات الخارجية، بل أيضًا في مراجعة تناقضاته الداخلية، حفاظًا على مصداقيته ودوره كإطار جامع للاستقرار في القارة.





تعليق واحد