أقرّ مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأميركي الذي يمنح خطة الرئيس دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة غطاءً قانونياً دولياً، ويفتح الباب أمام نشر قوة متعددة الجنسيات تتولى الإشراف على الاستقرار وإدارة المرحلة الانتقالية في القطاع.
ويأتي القرار بعد قبول أولي من إسرائيل وحركة حماس للمرحلة الأولى من الخطة، التي تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار وتبادلاً للأسرى والرهائن، بعد حرب استمرت عامين وألحقت دماراً واسعاً بالقطاع.
وينص القرار على إنشاء “مجلس السلام” كهيئة انتقالية تشرف على إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي لغزة، إضافة إلى تفويض قوة دولية بمهام نزع السلاح وإزالة البنية العسكرية داخل القطاع، في خطوة ترى فيها واشنطن مساراً نحو “تقرير المصير الفلسطيني” إذا أُنجزت إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية.
حماس اعتبرت القرار مساساً مباشراً بوضع غزة السياسي، ورفضت أي وجود لقوات أجنبية بصلاحيات عسكرية داخل القطاع، مؤكدة أن المقاومة المسلحة بالنسبة إليها “حق مشروع” لا يمكن التنازل عنه. وفي بيان للجماعة، قالت إن القرار “يفرض وصاية دولية مقنّعة” ويحرمها من صفة الحياد بتحويل القوة الدولية إلى طرف في الصراع.
ورغم اعتراضات موسكو التي لوّحت سابقاً باستخدام الفيتو، امتنعت روسيا والصين عن التصويت، منتقدتين ما وصفوه بـ”غموض آليات الترتيبات الانتقالية” واحتكار واشنطن للمبادرة. أما السلطة الفلسطينية فرحّبت بالقرار ورأت فيه فرصة لوقف القتال وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، معتبرة أن دورها في التنفيذ عنصر أساسي في تحييد الاعتراض الروسي.
كما احتفى ترامب بإقرار القرار، واصفاً إياه بالإنجاز التاريخي، ومشيراً إلى أن الإعلان عن تشكيل “مجلس السلام” سيتم خلال الأسابيع المقبلة. غير أن القرار فجر خلافاً جديداً داخل إسرائيل بسبب إشارته الضمنية إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية، ما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التشديد على رفضه لأي مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية، مجدداً تعهده بنزع سلاح غزة “بالقوة إذا لزم الأمر”.
وفي المقابل، أجمعت فصائل فلسطينية بقيادة حماس على اعتبار القرار خطوة “خطرة” تمهّد لإدارة دولية للقطاع وتخدم، وفق تعبيرها، “الإستراتيجية الإسرائيلية في تجريد المقاومة من سلاحها”.
القرار الأممي حسب محللين يمنح واشنطن تفويضاً واسعاً في صياغة مستقبل غزة، ويمهّد لأكبر تدخل دولي في القطاع منذ عقود. فبينما تسعى الولايات المتحدة لتسويق الخطة كمسار نحو “إعادة بناء غزة” وتهيئة بيئة سياسية جديدة، ترى حماس أن جوهر المشروع يقوم على نزع سلاحها وتغيير ميزان القوى بالقوة، وليس عبر تسوية تفاوضية.
اللافت أن قبول السلطة الفلسطينية بالقرار منح واشنطن القدرة على تجاوز الفيتو الروسي، ما يعكس بداية تشكل اصطفافات جديدة حول مستقبل غزة. في المقابل، يواجه القرار معارضة واسعة داخل إسرائيل التي تخشى أن تتحول المرحلة الانتقالية إلى مسار سياسي نحو الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه الائتلاف اليميني الحاكم.
عملياً، قد يكون تنفيذ القرار على الأرض بالغ التعقيد؛ فإرسال قوة دولية إلى قطاع محاصر ومشتعل بنيوياً سيضعها في مواجهة مباشرة مع فصائل مسلحة ترفض نزع سلاحها، كما أن غياب توافق إقليمي أوسع يزيد من احتمالات تعثر الخطة.
ومع ذلك، يمثل القرار أول اعتراف دولي من مجلس الأمن بخريطة طريق أميركية تسعى لإعادة تشكيل النظام السياسي والأمني في غزة بعد الحرب، في خطوة قد تعيد رسم ملامح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة.




تعليق واحد