تتجه أنظار الأوساط السياسية في مدريد والرباط نحو مدينة سبتة، حيث يعتزم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز القيام بزيارة رسمية يوم 13 نونبر الجاري لتدشين المحطة البحرية الجديدة، في تحركٍ يبدو أنه يتجاوز البعد الاقتصادي إلى رسائل سياسية محسوبة.
فالزيارة تأتي في توقيتٍ حساس من العلاقة المغربية الإسبانية، لتؤكد تمسك مدريد بإبراز حضورها في المدينتين المحتلتين، عبر مشاريع تنموية تحمل في طياتها بعدًا سياديا.
وتعد المحطة الجديدة من أكبر الاستثمارات الحكومية في سبتة خلال العقد الأخير، وهي جزء من خطة مركزية لتحديث البنية المينائية وتعزيز الربط البحري مع البر الإسباني، في وقت تتصاعد فيه شكاوى فاعلين محليين من استمرار القيود على المبادلات التجارية عبر المعبر الحدودي مع المغرب.
ويقرأ مراقبون الزيارة باعتبارها محاولة من سانشيز لتكريس صورة “الدولة الراعية” في مواجهة تراجع نفوذها الرمزي داخل المدينة، في ظل سعي الحكومة الإسبانية إلى دمج سبتة ومليلية بشكل أعمق في المنظومة الاقتصادية الوطنية.
وتعد هذه الزيارة الثالثة من نوعها لسانشيز منذ توليه رئاسة الحكومة، ما يعكس اهتمامًا خاصًا بالمدينتين باعتبارهما جزءًا من استراتيجية مدريد لتثبيت وجودها في الضفة الجنوبية للمتوسط.
فخلال زيارتيه السابقتين عامي 2021 و2023، ركّز سانشيز على مشاريع صحية وخدمية، في سياقات كانت تشهد توترًا سياسيًا واضحًا مع الرباط. وتُدرك الحكومة الإسبانية أن كل تحرك داخل سبتة ومليلية يُقرأ في المغرب من زاوية السيادة، إذ تعتبر الرباط المدينتين جزءًا من ترابها الوطني الخاضع للاحتلال الإسباني منذ قرون، لكنها تفضّل إبقاء الملف مفتوحًا بهدوء دون صدام مباشر.
ومع أن الخطوة تحمل طابعًا بروتوكوليًا وتنمويًا، إلا أن رمزيتها السياسية لا تخطئها العين، فهي تعبير عن رغبة مدريد في ترسيخ “الوجود الهادئ” دون استفزاز الرباط، وفي الوقت نفسه تذكير للرأي العام الإسباني بأن الحكومة الاشتراكية ما تزال قادرة على الإمساك بملفات السيادة الحساسة.
وبينما تسعى إسبانيا لترميم حضورها في شمال إفريقيا عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية، يظل الملف في جوهره جزءًا من صراع تاريخي أعمق حول الذاكرة والهوية والموقع، حيث تتحرك الأطراف على إيقاع توازنٍ دقيق بين الجغرافيا والسياسة، وبين الصمت الدبلوماسي والحضور الرمزي الذي لا يقل ضجيجا عن الكلمات.




