كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير مطوّل عن ملامح خطة عسكرية أمريكية محتملة يجري الرئيس دونالد ترامب ووزير الحرب بيت هيغسيث ورئيس الأركان دان كين مناقشتها، تستهدف توجيه ضربة لفنزويلا، في خطوة ترفع منسوب التوتر في منطقة تُعد تاريخياً هادئة عسكريًا بالنسبة لواشنطن.
وأفاد التقرير بأن الجيش الأمريكي رفع جاهزيته بشكل لافت، خصوصًا وحدات النخبة وفي مقدمتها “قوة دلتا”، وسط مؤشرات على أن واشنطن تدرس تنفيذ عمليات اعتقال أو تصفية تستهدف قيادات فنزويلية أو مجموعات تعتبرها تهديدًا مباشراً.
وبحسب الصحيفة، فإن وصول حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد ر. فورد” إلى المياه القريبة من مسرح الأحداث عزّز الوجود العسكري الأمريكي ليبلغ نحو 15 ألف جندي موزعين على 12 سفينة حربية، إضافة إلى تعزيزات نُقلت خلال الأسابيع الأخيرة إلى بورتوريكو.
هذا الانتشار، الذي لم تشهده المنطقة منذ عقود، تزامن مع تشغيل الطيارين الأمريكيين خططاً تكتيكية حول الدفاعات الفنزويلية، في مؤشر على إدراج سيناريو الهجوم ضمن الخيارات المطروحة.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الفنزويلية تعبئة واسعة شملت 200 ألف جندي من القوات الجوية والبرية والبحرية، في أكبر حالة استنفار منذ سنوات، ما يعكس إدراك كاراكاس لجدية التهديد.
وتشير الصحيفة إلى أن السيناريوهات الأمريكية تضع “قوة دلتا” في صلب العمليات المحتملة، مكلفة بمهام “الاعتقال والقتل” في حال تنفيذ ضربات محددة الأهداف، اعتمادًا على خبرتها في ساحات الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين.
ورغم هذا الحشد، تظهر الإدارة الأمريكية تخبطاً في تحديد مسارها النهائي. فبينما يعبّر ترامب عن رغبته في توسيع عمليات ملاحقة المهربين في البحر الكاريبي – والتي أودت بحياة نحو 80 شخصًا خلال مطاردات بحرية – تكتفي المؤسسة العسكرية بالتأهب بانتظار أوامر لم تصل بعد.
التوتر لم يقتصر على واشنطن وكاراكاس، بل امتد ليصيب علاقات الولايات المتحدة مع شركائها التقليديين في أمريكا اللاتينية. فقد أعلنت كولومبيا تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن احتجاجاً على طريقة إدارتها للعمليات العسكرية، مؤكدة أن احترام حقوق الإنسان يجب أن يظل “خطًا أحمر”.
وفي المكسيك، سارعت الرئيسة كلوديا شينباوم للتأكيد على رفض بلادها لأي ضربات قريبة من سواحلها، عقب غارة أمريكية نُفذت على بعد 400 ميل من أكابولكو، لتعيد التذكير بأن التنسيق البحري القائم لا يعني منح ضوء أخضر لاستخدام القوة قرب الحدود المكسيكية.
ووفق مختصين في الشأن الأمريكي اللاتيني تبدو التحركات العسكرية الأمريكية جزءًا من محاولة لإعادة فرض الهيمنة في محيطها الإقليمي، لكن حجم القوات المنتشرة يشير إلى أن واشنطن تدرك أن المواجهة مع فنزويلا، رغم ضعف قدراتها مقارنة بالآلة العسكرية الأمريكية، تحمل مخاطر سياسية ودبلوماسية عالية، خصوصاً مع تقلب مواقف الحلفاء وخشية واشنطن من أن تتحول العملية إلى استنزاف غير محسوب.
كما يطرح هذا التصعيد سؤالًا عريضًا حول دوافع ترامب، وهل تأتي في سياق ضبط النفوذ الروسي والصيني في كاراكاس أم في إطار حسابات انتخابية داخلية تستثمر في خطاب الحزم الخارجي؟
في كل الأحوال، يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، يتراوح أبرزها بين عملية عسكرية محدودة لإرسال رسالة ردع، أو تراجع متأخر تحت ضغط الحلفاء وتكاليف التصعيد، أو انزلاق غير مقصود نحو مواجهة أوسع قد تعيد رسم التوازنات في القارة اللاتينية.




