يخلّد المغاربة، بفخر واعتزاز عارمين، ذكرى استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية في 18 نونبر 1956، بعد مسار طويل وحافل بالكفاح والمقاومة في وجه المستعمر، تضامنت فيه كل فئات وشرائح المجتمع، من عرب وأمازيغ، أغنياء وفقراء، جنباً إلى جنب مع سلطان المغرب وحركات المقاومة وجيش التحرير.
فبين 1912، سنة توقيع معاهدة الحماية، و1956، سنة التوقيع الرسمي على الاستقلال، مرّ المغرب بمحطات عديدة يمتزج فيها الفرح بالمعاناة، والحزن بالتضحية، والفخر بالاستشهاد في سبيل حرية الوطن؛ انطلاقاً من اندلاع المقاومة المسلحة في مناطق الريف والأطلس المتوسط في العشرينيات، والانتفاضة الشعبية العارمة عقب إصدار سلطات الاحتلال للظهير البربري سنة 1930، بهدف تقسيم المغرب وإضعاف شوكة المغاربة.
وبعد ظهور وتقوية الحركة الوطنية على المستوى السياسي، التي تقدمت بوثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، والتي تُعتبر حدثاً سياسياً مهماً يجسد الانسجام بين المقاومة السياسية والمسلحة، جاء إقدام سلطات الاحتلال على نفي الراحل محمد الخامس رفقة أسرته العلوية إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر سنة 1953، ومحاولة تعويضه بملك مصطنع فاقد للشرعية، كالمسمار الأخير في نعش الحماية الفرنسية؛ إذ أدّى ذلك إلى اندلاع ثورة تاريخية سُمّيت ثورة الملك والشعب، انتفض فيها الشارع المغربي إلى درجة حدوث محاولات اغتيال متعددة في صفوف كبار ضباط الجيش الفرنسي والخونة، بل وحتى محمد بن عرفة نفسه، الذي قبل أن يشارك في مؤامرة نفي الملك الشرعي.
هذه المواجهات المسلحة والمقاومة العنيفة كانت بالموازاة مع تحركات سياسية وديبلوماسية لحركات المقاومة، خصوصاً عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، ومساهمة المغاربة في مواجهة النازية في أوروبا، ومشاركتهم في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني بكل شجاعة.
وقد قادت هذه التطورات إلى المفاوضات على طاولة “إيكس ليبان”، بحضور ممثلين عن الحركة الوطنية وعن الملك محمد الخامس وسلطات الاحتلال، والتي تُوِّجت بعودة المغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، معلناً بداية “عهد الحرية والاستقلال“.
ويُعتبر مسار استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي استثناءً مقارنة بباقي الدول التي عانت الاستعمار، سواء من حيث المدة الزمنية التي ظل فيها المغرب تحت الاحتلال، والتي تُعد قصيرة نسبياً، أو من حيث الطريقة التي تم بها تحقيق الاستقلال، بتضامن كل قوى المجتمع.
فقد ساهم جميع المواطنين، بغض النظر عن مكانتهم ومستواهم، في تحقيق الاستقلال. ولعل أبسط مثال على ذلك مجزرة واد زم التي حدثت في أعقاب ثورة الملك والشعب، والتي راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين والمقاومين الذين هاجموا مراكز مهمة للمستعمر في المدينة؛ وردّت عليها فرنسا بوحشية وهمجية خلّفت خسائر كارثية في الأرواح والمنشآت.
كما أظهر مسار الاستقلال تلاحماً والتفافاً بين الملك الشرعي محمد الخامس وشعبه والحركة الوطنية، ساعد في بناء المغرب وتحقيق وحدته واستقراره.
إن ذكرى عيد الاستقلال مناسبة تاريخية لربط الماضي بالحاضر، واستحضار تضحيات أسلافنا المغاربة، وحفظ الذاكرة الوطنية، وتوثيق نضالات المغاربة ضد الاستعمار.
وهي تُذكّرنا بأن الحرية لم تكن هدية، بل نتيجة تضحيات شعبية وملكية. كما أنها تطرح تحديات مستقبلية تدعونا إلى المساهمة في بناء مستقبل المغرب، وتحقيق التنمية، وإرساء المؤسسات، والدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية، وتعزيز الاستقرار.
فكما انتقل مشعل الاستقلال وبناء الوطن من المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني إلى الملك محمد السادس نصره الله، فالمواطن أيضاً تسلم مشعل المساهمة في هذا المسار من أجداده وآبائه.




