آراءمجتمع
أخر الأخبار

احك يا شكيب.. عندما يعجز القلم واللسان

أما الصحافة، فأصبحت تابعة خاضعة خانعة، لم تعد سلطة بمفهوم السلطة وحضورها القوي وتناولها لقضايا ذات راهنية وجوهرية، بل أصبح جسم الصحافة منقسمًا، والدعم يُعطى لمن لا يستحقه، وكذلك الإشهار، فأصبح التضييق هو سيد الموقف، فافتقدت المصداقية وتم التضييق على حرية التعبير والتنابز والتدابر وخلق الصراعات…

عندما تستوقفك المشاهد التي أصبح يعيش عليها مجتمعنا الآن، تصاب بالإحباط، تغير كل شيء.. ربما يعتقد البعض أنني سأتحدث عن الأجيال السالفة والحالية، وسيذهب بنا الخيال عن جيل الشباب وتغير الطباع والسلوكات، وعن علاقة الأولاد بالوالدين، وعن علاقتهم بالتقاليد والعادات، وعن اهتماماتهم، وعن حال الأسر الآن والروابط التي تجمعهم، وعن اهتماماتهم، وعن التعليم الذي يتلقونه؟ هي تخمينات تدور بخلدنا..

ونحن نطرح السؤال: ماذا تغير؟

نعم، تغير كل شيء، تغير مفهوم الحب، تغير مفهوم المبادئ، تغير مفهوم الوطن، تغير مفهوم البذل والعطاء، تغير مفهوم الصداقة، تغير مفهوم العائلة، تغير مفهوم الأخوة، تغير مفهوم القيم، تغير مفهوم الروابط في كل تجلياتها.

نعم، هناك أسباب وراء كل ذلك، أسباب ذاتية وموضوعية، الحقيقة الصادمة هي أنك أينما وليت وجدت خللًا.

المدرسة لم تعد مكانًا للمعرفة، بل أصبحت فضاء يعتمد على الكم عوض الكيف، مقررات أصبحت عبئًا على التلميذ والأسرة، تشتت فكري واضطراب نفسي وحصيلة هزيلة لافتقاد الرؤية.

إعلام مرئي يجلب للمشاهد أفلامًا ومسلسلات لا قيمة لها فنية ولا علمية ولا معرفية، برامج مستنسخة من بيئات مغايرة لثقافاتنا، دعم يُعطى حسب درجة القرب من المانح، فتغيب الكفاءة والجودة وتحضر الحموضة عوض التنافس الشريف.

أما الصحافة، فأصبحت تابعة خاضعة خانعة، لم تعد سلطة بمفهوم السلطة وحضورها القوي وتناولها لقضايا ذات راهنية وجوهرية، بل أصبح جسم الصحافة منقسمًا، والدعم يُعطى لمن لا يستحقه، وكذلك الإشهار، فأصبح التضييق هو سيد الموقف، فافتقدت المصداقية وتم التضييق على حرية التعبير والتنابز والتدابر وخلق الصراعات..

أما العمل النقابي، فتعددت النقابات فضعف الفعل والنتيجة المتوخاة.

أما الشأن الحزبي، فقد أصابه الهزال حتى أصبح الحزب دكانًا وتركة للزعيم الواحد الأوحد، غاب التأطير وأصبحت الشبيبات أدوات تُستعمل عند الحاجة وغاب دورها في المجتمع.

الحكومة أصبحت قدرًا منزلاً لا مفر منه، رغم فشلها فلا يمكن إسقاطها ولا يمكن تجريحها، لسبب بسيط هو غياب المعارضة الحقيقية التي غاب تماسكها وغاب دورها، وكل جزء منها يطلب النجومية والزعامة، فأصبحت الحياة السياسية مملة باعثة على النفور من طرف شباب وشيوخ وكهول تحولوا لوجهات اللامبالاة، اهتمام بلعب الورق ومشاهدة المباريات وملء المقاهي..

وكل هذا جعل العزوف عن الاهتمام بالشأن السياسي أمرًا هامشيًا، فعم الفساد واستأسد عندما تم استبعاد القوانين المجرّمة للإثراء غير المشروع، وعدم ملاحقة المسؤول الفاسد بقانون ربط المسؤولية بالمحاسبة.

نعم، تغير كل شيء، الموظف أصبح همه العيش في حياة مزيفة، اهتمام بالكماليات عوض السير الطبيعي المتدرج، فكثرت مشاكله جراء كثرة الديون، مما خلق توترات أسرية كانت نتائجها ارتفاع نسبة الطلاق.

أما الشباب، فأصبح ملاذهم هواتف ذكية استحوذت على أوقاتهم ليلًا ونهارًا، فلم يعد يستهويهم التنزه ولا مجالسة الأسرة ولا الاهتمام بالكتاب، وإنما سجنوا أنفسهم في غرف مغلقة.

نعم، تغير كل شيء، فحلت الأنانية وغاب التضامن وغابت الصداقة وأصبحت العلاقات مصلحية، فأصبحت العزلة هي الحل مخافة الوقوع في الخذلان.

نعم، تغير كل شيء، فأصبح الشعار المرفوع والموجّه للسلوك اليومي: أنا ومن بعدي الطوفان، فلا القلم أصبح يؤدي دوره عبر المقال والكتاب والقصة، ولا اللسان استطاع أن يقوم بدوره توجيهًا عبر مسجد وإعلام مسموع ومرئي، لوجود قيود وتضييقات.

آسف جدًا أنني حرّكت مواجع ارتأيتها ضرورية، لعلنا ننتبه لأخطار قادمة لا قدّر الله.

https://anbaaexpress.ma/jujoc

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى