آراء
أخر الأخبار

احك يا شكيب.. حين يصبح ربط المسؤولية بالمحاسبة ضرورة وجودية

إن المرحلة الحالية مفصلية بلا شك، وتتطلب التزامًا جادًا من كل المؤسسات بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق القانون، وبشكل متجرد لا يميز بين ملف وآخر ولا بين جهة وأخرى..

إن ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس شعارًا سياسيًا، بل قاعدة أساسية تستقيم بها الدول الحديثة وتحفظ بها كرامة الإنسان وحقوقه. فكل الأنظمة الديمقراطية التي تحترم مواطنيها تعتمد هذا المبدأ حمايةً للسلم الاجتماعي، وضمانًا للأمن القضائي، وتحقيقًا للمساواة والعدالة الاجتماعية والحرية المسؤولة.

وفي منظومة كهذه، تظل وسائل الإعلام بكل أشكالها – المرئية والمسموعة والمكتوبة – سلطة مستقلة تتابع الشأن العام بتجرد وتساهم في حماية المصلحة العامة.

غير أن ما يعيشه المغرب في السنوات الأخيرة من انزلاقات متتالية يثير مخاوف جدية لدى فئات واسعة من المواطنين، خصوصًا ونحن على أعتاب استحقاقات انتخابية مهمة واستعدادات لاحتضان تظاهرات عالمية تتطلب صورة مؤسساتية قوية ومستقرة.

ففي كل مرة ينتظر فيها الرأي العام إشارات تقدم، يجد نفسه أمام أحداث تعمّق الشعور بالقلق والنفور من غياب الانسجام بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية.

لقد برزت خلال الفترة الأخيرة مجموعة من الاختلالات التي مست قطاع الإعلام، وتم تداولها في الرأي العام، حيث طُرحت أسئلة مشروعة حول مدى احترام الضوابط القانونية والمساطر التنظيمية في تدبير بعض الملفات المهنية.

كما عبّر صحفيون وفاعلون عن قلقهم تجاه قرارات اعتبروها غير متوازنة أو تنم عن سوء تقدير، مما فتح نقاشًا وطنيًا واسعًا حول الحاجة إلى تعزيز الحكامة في المؤسسات المرتبطة بالصحافة وحرية التعبير. وهي نقاشات طبيعية وصحية في أي مجتمع يسعى لتقوية ديمقراطيته.

وفي المقابل، تظل ملفات الفساد الاقتصادي والإداري – وهي ملفات عمومية تم الكشف عن بعضها منذ جائحة كورونا وما قبلها – معلّقة في نظر الرأي العام، دون توضيح رسمي حول مآلاتها أو الإجراءات المتخذة بشأنها.

كما يعيش ملف العدول، الذين خاضوا حوارات طويلة مع وزارة العدل من أجل تحديث منظومتهم القانونية، حالة من الغموض بعد سحب بعض المواد المتفق عليها سابقًا، رغم أن تلك الحوارات كانت تفضي إلى محاضر رسمية بحضور الطرفين.

هذا التفاوت في تدبير الملفات يثير سؤالًا جوهريًا: إلى أين نتجه؟

فالوطن يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، وإلى تكريس دولة القانون التي لا تُخضع العدالة للاجتهادات الفردية، ولا تسمح بأن تصبح المؤسسات مجالًا لتصريف الخلافات أو إعادة إنتاج اختلالات الماضي.

لقد أظهر حراك الشباب – ومن ضمنه احتجاجات الجيل Z – أن منسوب القلق لدى فئات واسعة قد تجاوز حدود التحذير. فأي مجتمع تتسع فيه فجوة الثقة، يصبح معرضًا للاهتزاز، حتى لو كان يملك موارد طبيعية ضخمة كالتي يزخر بها المغرب من معادن وثروات بحرية وموقع استراتيجي استثنائي.

إن المرحلة الحالية مفصلية بلا شك، وتتطلب التزامًا جادًا من كل المؤسسات بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق القانون، وبشكل متجرد لا يميز بين ملف وآخر ولا بين جهة وأخرى.

بذلك فقط يمكن لكل مغربي أن يشعر بأن أمنه ومسقبله ومستقبل أبنائه محفوظ في دولة تُنصف قبل أن تُعاقب، وتُداوي قبل أن تُدين، وتُصلح قبل أن تُعاقب.

إن المصالحة الوطنية التي يطالب بها الكثيرون تبدأ من احترام القانون على الجميع، وتكريس ثقافة المشاركة، ومحاربة الفساد بلا انتقائية، وبناء مؤسسات تعكس إرادة مجتمع يريد أن يتقدم ولا يريد أن يعود للخلف.

https://anbaaexpress.ma/ddr1b

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى