في مشهد احتفالي مهيب أضاء سماء الجيزة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء السبت الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، ليكتب بذلك فصلاً جديداً في مسيرة مصر الحضارية والثقافية.
وقال السيسي خلال كلمته في الحفل إن افتتاح المتحف يمثل لحظة تاريخية تُعيد صياغة العلاقة بين الماضي والحاضر، مؤكداً أن المشروع العملاق يجسد تضافر الجهود الوطنية والدولية في سبيل صون التراث الإنساني.
وأضاف أن المتحف يشكل رمزاً لتلاقي عبقرية المصري القديم مع إبداع المصري المعاصر، ووجهاً جديداً لمصر الحديثة التي تسعى لأن تكون جسراً بين الحضارات.

الافتتاح الذي حضره قادة وزعماء من مختلف أنحاء العالم، تخللته عروض ضوئية وموسيقية وألعاب نارية أضاءت أهرامات الجيزة، في مشهد يعيد إلى الأذهان عظمة التاريخ المصري الممتد لآلاف السنين.
وكتب السيسي في تدوينة على صفحته الرسمية: «من أرض مصر الطيبة مهد الحضارة الإنسانية، نرحب بضيوفنا لنشهد معاً ميلاد صرح ثقافي عالمي يضم بين جنباته كنوز الحضارة المصرية العريقة، ويجسد قيم السلام والمحبة والتعاون بين الشعوب».
المتحف المصري الكبير، الذي استغرق إنجازه أكثر من عقدين، يُعد أضخم مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، إذ أقيم على مساحة تقارب نصف مليون متر مربع على مقربة من أهرامات الجيزة.

ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي جميع فترات التاريخ المصري من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر البطلمي، في عرض متكامل يجمع بين الحداثة والتقنيات المتقدمة في العرض المتحفي.
ويُعد “البهو العظيم” من أبرز معالم المتحف، حيث يستقبل الزوار بمشهد مهيب يضم المسلة المعلقة وتمثال الملك رمسيس الثاني، إلى جانب “الدرج العظيم” الذي يعرض تماثيل ملوك مصر القديمة بترتيب زمني يحاكي تطور السلطة والرمزية عبر العصور.
كما يضم المتحف متحف مراكب خوفو الذي نقلت مكوناته من موقعها الأصلي عام 2021 في واحدة من أكثر عمليات النقل الأثري تعقيداً في العالم.

ومن بين الكنوز التي تحتل مكان الصدارة في العرض الدائم، المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد منذ اكتشاف مقبرته قبل أكثر من قرن، وتضم أكثر من خمسة آلاف قطعة ذهبية ومجوهرات وآثار شخصية تسرد قصة الملك الذهبي الذي لا يزال يثير خيال العالم.
ولا يقتصر المتحف على العرض الأثري فقط، بل يضم أيضاً متحفاً للأطفال يقدم التجربة التاريخية بأسلوب تفاعلي، ومركزاً ضخماً للترميم يُعد الأكبر في الشرق الأوسط، إضافة إلى قاعات مخصصة للمعارض الدولية، ومركز مؤتمرات، وحدائق فرعونية ومرافق ترفيهية وسياحية متكاملة.
بهذا الافتتاح، لا تكتفي مصر بإحياء ماضيها المجيد، بل تؤكد أن الحضارة ليست أثراً يُعرض في vitrinas من الزجاج، بل روحٌ تتجدد في كل جيل، وأن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري، بل رسالة للعالم بأن مصر الحديثة ما زالت قادرة على أن تجعل من التاريخ مستقبلًا حياً.





