وسّعت إسرائيل نطاق عملياتها العسكرية في لبنان لتتجاوز البلدات الحدودية وتصل هذه المرة إلى مدينة صيدا، في خطوة تعكس تغيّرًا واضحًا في قواعد الاشتباك رغم اتفاق وقف إطلاق النار. هذا التحول يضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار بالغ الصعوبة، في ظل ضغوط أمريكية غير مسبوقة تدفع باتجاه نزع سلاح حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية.
الهجوم على مخيم عين الحلوة كان بمثابة إشارة حاسمة إلى أن تل أبيب تتحرك ضمن سقف سياسي مفتوح، على الأرجح بضوء أخضر أمريكي يسمح لها بتنفيذ عمليات تعتبرها ضرورية لضمان أمنها.
ومع تصاعد المؤشرات الميدانية، يتوقع مراقبون أن يشهد لبنان مرحلة جديدة من التوتر قد تنتهي بانهيار التهدئة الهشة وعودة المواجهات، خصوصًا مع استمرار تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستخدام القوة لنزع سلاح حزب الله والتعامل مع خلايا حماس في لبنان.
الصمت الأمريكي إزاء الهجمات الأخيرة بدا لافتًا، ويعكس في نظر كثيرين رضا إدارة الرئيس دونالد ترامب عن التحركات الإسرائيلية، خاصة بعد الضغوط التي مارستها واشنطن على بيروت لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما تجسّد مؤخرًا في رفض استقبال قائد الجيش اللبناني واعتبار الأداء العسكري متراخيًا في هذا الملف. وتحدثت مصادر سياسية عن تحذيرات متكررة نقلها المبعوث الأمريكي توم باراك للسلطات اللبنانية بشأن احتمال انفجار الوضع ميدانيًا إذا لم تُتخذ إجراءات عملية.
وزارة الصحة اللبنانية أعلنت أن الغارة الإسرائيلية على صيدا أسفرت عن مقتل 13 شخصًا وإصابة آخرين، فيما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام حصيلة بلغت 11 قتيلًا.
الجيش الإسرائيلي قال في بيانه إنه استهدف عناصر من حركة حماس داخل مجمع تدريبي في مخيم عين الحلوة، مؤكدًا أن الموقع كان يُستخدم للتحضير لهجمات تستهدف إسرائيل. لكن الحركة نفت رواية تل أبيب بشكل قاطع، معتبرة أن الحديث عن “مركز تدريب” مجرد ذريعة لتبرير الاعتداء، مؤكدة أن الغارة استهدفت ملعبًا رياضيًا يرتاده أطفال المخيم. ولم يتوقف التصعيد عند صيدا، إذ شهدت بلدة الطيري في قضاء بنت جبيل حادثًا خطيرًا بعد إصابة عدد من الطلاب إثر استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة كانت تسير أمام حافلة مدرسية. وأكدت وكالة الأنباء اللبنانية أن الطائرة أطلقت صاروخين على السيارة، ما أدى إلى إصابة السائق وعدد من التلاميذ الذين تزامن مرورهم في المكان.
في المقابل، أشارت تقارير عبرية إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لعملية محدودة ضد حزب الله، بعد اتهامه الجماعة بالسعي لإعادة بناء بنيتها العسكرية التي تضررت خلال المواجهة السابقة.
ويسيطر الجيش الإسرائيلي حاليًا على خمسة مواقع داخل الأراضي اللبنانية، ويواصل شن غارات متقطعة في الجنوب بدعوى استهداف مواقع لحزب الله أو عناصر من حماس. ورغم الاتفاق على وقف إطلاق النار العام الماضي، والذي نصّ على انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من لبنان ونزع سلاح الجماعة في الجنوب، فإن التطورات الميدانية الأخيرة تُظهر حجم هشاشة هذا الاتفاق، وتثير مخاوف جدية من عودة القتال في أي لحظة، وسط مشهد إقليمي متوتر وضغوط سياسية تضع لبنان أمام معادلة أمنية معقدة لا تبدو خيارات الخروج منها متاحة بسهولة.




