في معرض دفاعه عن بقاء سلاح حركة حماس ردّا على دعوات لنزعه وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقطاع غزّة، لفت القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق قبل أيام إلى أن حماس قوة مسيطرة في غزّة وأي نزع لسلاحها سيسمح بظهور سلاح اخر لا يمكن ضبطه سيكون خطرا على أمن المستوطنات.
وقد لا تكون صدفة أن يدلي أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل ساعات، ودائما في معرض انتقاده للدولة اللبنانية خططها لجعل السلاح حصرا بيدها، فقال: “إننا في (حزب الله) نقول إن اتفاق وقف إطلاق النار هو حصراً لجنوب الليطاني، وعلى إسرائيل الخروج من لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، ولا خطر على المستوطنات الشمالية”.
لم يعد الغرض من سلاح حماس وحزب الله بالنصّ الصريح تهديد أمن إسرائيل وصولا إلى تحرير فلسطين من الاحتلال.
بات ذلك السلاح حجّة لتوفير أمان المستوطنات في جنوب إسرائيل وشمالها. ولا نعرف ما إذا كان قاسم قد استفاد من نظريات أبي مرزوق المستجدة، أم أن أمر عمليات مصدره إيران أوحى لفصيلي “محوّر المقاومة” بتظهير مناورة بدت يائسة، خارجة من خزائن مفلسة، عاجزة عن اعطاء تفسير أخلاقي لقضية السلاح. فكان أن من أخلاق السلاح أمن المستوطنات.
بدا أن حماس وحزب الله يستدرجان إسرائيل إلى حماية سلاحهما طالما أن إسرائيل لا تثق بترتيبات غزّة الأميركية لحماية مستوطنات الجنوب، ولا بقدرات النظام السوري الجديد ودولة لبنان على السيطرة على الحدود المحاذية لمستوطنات الشمال.
والبؤس في عروض الحزب في لبنان والحركة في غزّة، الإيمان بأن حجج الفصيلين ستكون مفحمّة تجد لها في الداخل الإسرائيلي زبائن يشترونها لتغير بوصلة التحوّلات، وقلب معادلاتها، وجعل سلاح الميليشيات أصلا في الترتيبات المقبلة.
ورغم مساعي منابر حماس لإعادة تفسير تصريحات أبي مرزوق والاجتهاد في تأويل سياقها، غير أن أمر ذلك الموقف، الذي يضاف بالمناسبة إلى مواقف سابقة عجيبة في تحوّلاتها، لا يؤسس لمراجعة شجاعة، تفسّر وجاهة تفجير حرب في غزّة تقول المنظمات الإنسانية الفلسطينية إن خسائرها قد تصل إلى حوالي 300 ألف قتيل غزّي، من أجل أن يعلن رسميا أن سلاح الحركة ضمان موثوق لأمن المستوطنات.
والأرجح أننا لن نجد داخل بيئة حزب الله في لبنان من يقفز انبهارا من استيلاد قاسم وظيفة جديدة لسلاح حزبه، غير تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، في خدمة طمأنينة مستوطنات إسرائيل، بعد نكبة “حرب الأسناد” وويلاتها.
والأفدح في تقديم قاسم لأطروحته، هو أن الحزب يقرأ اتفاق وقف إطلاق النار من بوابة أن تسليم السلاح يجري جنوب نهر الليطاني فقط. فإضافة إلى أن القراءة مغلوطة لا تعترف بها دولة لبنان كما الدول الراعية لذلك الاتفاق، فإن الحزب قابل بذلك “القدر” مطالب بعدم المسّ بسلاحه شمال ذلك النهر لما في ذلك، وفق ديباجة خطاب ممل مكرر أخرج من أحشائه بعناية معادلة: “السلاح ضمان أمن للمستوطنات”.
وأما وأنه حيّد العامل الإسرائيلي وفق ما يأمل، فلا بأس من شنّ هجوم على حكومة لبنان بصفتها المسؤولة الخبيثة عن تهديد أمن تلك المستوطنات.
تعود حماس في غزّة وحزب الله في لبنان ومن ورائهما إيران إلى إنعاش فكرة التخادم المتبادل مع إسرائيل. تعود تلك المعادلة إلى مرحلة ما قبل “طوفان الأقصى” حين كان الوجود المتبادل أداة لرواج المواقف القصوى في طهران وحجّة اليمين المتطرف في إسرائيل.
ولئن يتهوّر الحزب والحركة في الذهاب إلى أقصى حدود العبث، فذلك أن الزمن تغيّر وبات السهر على أمن المستوطنات أكثر وجاهة من الوعد السابق بإزالتها والقضاء على وجودها.




