أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النقاش النووي إلى الواجهة بإعلانه نية بلاده استئناف التجارب النووية، متهماً روسيا والصين ودولاً أخرى بإجراء اختبارات سرية تحت الأرض دون إعلان رسمي.
تصريحات ترامب، التي أدلى بها خلال مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي إس”، بدت وكأنها استدعاء مباشر لحقبة الحرب الباردة بكل مظاهرها من التوتر والتسابق نحو الردع النووي.
ترامب أكد أن بلاده “لن تكون الدولة الوحيدة التي تمتنع عن التجارب النووية”، مشيراً إلى أن موسكو وبكين تمضيان قدماً في تجاربهما دون رقابة دولية، مضيفاً كوريا الشمالية وباكستان إلى القائمة ذاتها.
وبينما اعتبر الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ “قائدين قويين وذكيين لا يمكن اللعب معهما”، بدا واضحاً أن الرئيس الأمريكي السابق يحاول تبرير توجهه نحو إعادة إحياء برنامج التجارب النووية الذي توقف منذ عام 1992.
قرار ترامب المفاجئ، الذي أعلنه عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل لقائه بالزعيم الصيني في كوريا الجنوبية، أربك البنتاغون وأثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإعلان يعني فعلاً العودة إلى التفجيرات النووية بعد أكثر من ثلاثة عقود من التجميد.
كما جاء الإعلان بعد أيام من إعلان روسيا نجاحها في اختبار صاروخ “بوريفيستنيك” العامل بالطاقة النووية، وغواصة مسيرة قادرة على حمل رؤوس نووية تحت الماء، ما فُسّر كرسالة مباشرة من موسكو إلى واشنطن بشأن استمرار سباق الردع.
وسائل الإعلام الأمريكية ربطت بين خطاب ترامب الجديد وتصاعد لهجة المنافسة بين القوى الكبرى، محذّرة من عودة العالم إلى “الزمن المظلم” من الحرب الباردة، حين كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يتبادلان التفجيرات في الجو والفضاء والبحار.
ومع ذلك، بدا أن ترامب يستخدم لغة مزدوجة تجمع بين الاستفزاز السياسي والضغط الاستراتيجي، في محاولة لفرض معادلة جديدة على خصومه الجيوسياسيين.
وعندما سئل ترامب مباشرة عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستنفذ أول تفجير نووي منذ عام 1992، أجاب بشكل قاطع: “نعم، سنجري تجارب مثلما تفعل الدول الأخرى”. لكنه لم يوضح ما إذا كان ذلك يعني تفجيرات حقيقية أم مجرد اختبارات على الأنظمة والأسلحة.
في المقابل، حاول وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت التخفيف من وقع تصريحات الرئيس، موضحًا في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” أن “الاختبارات المقصودة ليست تفجيرات نووية كاملة”، بل تجارب فنية على الأنظمة لضمان جاهزية مكونات الأسلحة.
وأوضح أن هذه التجارب تُعرف باسم “الانفجارات غير الخطيرة”، وتهدف إلى اختبار البنية الهندسية للسلاح النووي دون إطلاق طاقته الفعلية.
رغم هذه التوضيحات، يرى مراقبون أن تصريحات ترامب تشكّل تصعيدًا رمزيًا خطيرًا في سباق القوى النووية، إذ تُعيد الحديث عن هشاشة نظام الحد من الأسلحة النووية في ظل غياب الثقة بين القوى الكبرى.
كما أن هذه الخطوة قد تمنح ذريعة لدول أخرى مثل كوريا الشمالية وإيران للمضي قدمًا في برامجها السرية، بحجة “التوازن الاستراتيجي”.
في الوقت الذي يحاول فيه العالم احتواء الأزمات الجيوسياسية الممتدة من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي، يفتح ترامب بابًا كان مغلقًا منذ ثلاثة عقود، ليعيد إلى الأذهان مشاهد الفزع النووي في القرن العشرين، حيث كانت “قوة الردع” هي اللغة الوحيدة المفهومة بين العواصم المتوترة.




