آراءسياسة
أخر الأخبار

بن سلمان يفرض أجندته.. واشنطن تُصغي لوصايا الأمير

لا يوفّر ترامب فرصة للتعبير عن اعتزازه بعلاقة خاصة يمتلكها مع الأمير محمد. يفتخر به ويقرّ بإنجازات خلال السنين الماضية نقلت السعودية من قرن الى قرن. يعرف أيضا أن السعودية صارت أقوى وأقل مرونة وأكثر عنادا حتى مع الأصدقاء..

تأخر قدوم وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن منذ آخر زيارة عام 2015. مرت تلك السنين حاملة إلى السعودية والولايات المتحدة والعالم تحوّلات جذرية تكاد تشبه عالما آخر. يطرق الأمير أبواب العاصمة الأميركية قادما من مملكة قفزت عشرات السنوات إلى الأمام.

تعرف واشنطن ما صارت عليه السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز والإشراف المباشر الرؤيوي لوليّ عهده. وبدا واضحاً أن أميركا تستقبل بتوق ضيفا فوق العادة طال انتظاره.

خصّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ضيفه بمراسم استقبال رسمية هي الأرفع لأي ضيف حلّ على البيت الأبيض منذ تسلّمه ولايته الثانية في كانون الثاني 2025.

لا يوفّر ترامب فرصة للتعبير عن اعتزازه بعلاقة خاصة يمتلكها مع الأمير محمد. يفتخر به ويقرّ بإنجازات خلال السنين الماضية نقلت السعودية من قرن الى قرن. يعرف أيضا أن السعودية صارت أقوى وأقل مرونة وأكثر عنادا حتى مع الأصدقاء.

كان ترامب خارج السلطة حين توتّرت علاقات الرياض مع إدارة سلفه جو بايدن. راقب كيف رفضت السعودية “تمنيات” بايدن برفع إنتاج النفط لخفض أسعاره عقابا لروسيا.

تأمل كيف قادت الرياض مزاجا عربيا غير داعم لخيارات واشنطن في حرب أوكرانيا متمسكا بالحياد. ثم اندهش حين أدارت المملكة ظهرها لاتفاق أمني كانت واشنطن تتوق لإبرامه، وكيف اكتفت، على لسان “مسؤول” أبلغ وكالة رويترز معلومة؛ “أوقفنا التفاوض”.

من يراقب ما وراء واجهات الزيارة الأخيرة للأمير إلى واشنطن يستنتج أن السعودية فرضت جدول أعمال الزيارة وشروط نتائجها.

وفي المعلومات أن مباحثات كثيفة جرت خلف الجدران، وأن المملكة لم تعط موعدا لزيارة أميرها الا بعد وضع كافة النقاط على كافة الحروف.

ولئن سعى ترامب لمفاجأة ضيفه بتصنيف المملكة حليفا رئيسيا من خارج حلف الأطلسي، غير أن الرياض تقصّدت مسبقا ضمان العناوين الكبرى والأهم.

“انتزعت” الرياض عقد المقاتلات الحديثة من طراز F-35 . أتت موافقة ترامب على الصفقة بعد تردد وتباطؤ أفشل أي اتفاق بين الرياض وإدارة بايدن السابقة.

أتت الموافقة على الرغم من معارضة إسرائيل بشدة للصفقة خوفاً من أن تنهي تفوقها الجوي في المنطقة. وأتت أخيرا من دون أي شرط يربطها باتفاق تطبيع مع إسرائيل.

تجعل الصفقة السعودية الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل، والدولة العربية الأولى، التي تحصل على هذه المقاتلة. (إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية هي حالياً الدول غير الأوروبية الوحيدة التي تشغل هذه الطائرات بعد توقيع اتفاقيات مع واشنطن).

لم تكن الزيارة تقليدية. أسّست لعهد جديد في الشرق الأوسط يقوم على جسر يمتد من واشنطن إلى الرياض يقوم على أكتاف علاقة تلك الكيمياء التي تنامت بين الرئيس الأميركي والأمير السعودي.

ولئن أراد ترامب تسجيل إنجاز يضاف إلى إنجازاته، فإن الأمير أدرج ذلك التطوّر داخل سيرة تاريخية عتيقة في علاقات السعودية والولايات المتحدة. سأل ترامب ضيفه عن أهم رئيس أميركي تعاملت معه السعودية منتظرا “الجواب السعيد”.

حدثه الأمير عن فرانكلين روزفلت، ثم حدثه عن رونالد ريغن. أظهر ترامب قلقا قبل أن يقرّ الأمير بعد إلحاح ترامب بتميّز الرئيس الحالي في تطوير تلك العلاقة إلى مستويات متقدمة. ابتسم ترامب، وافاه الأمير بالخبر السعيد.

أظهرت الزيارة أن السعودية مفتاح المنطقة، تماما كما اكتشف الرئيس السوري أحمد الشرع في تصريح له مؤخراً.

1– سّئل ترامب عن سوريا، فكشف أن وليّ العهد وراء قراره لرفع العقوبات عن سوريا مثنيا على قوة رئيسها الذي التقاه أول مرة في أيار الماضي في الرياض بطلب من الأمير محمد.

2– تحدث الأمير محمد عن إيران. قال: “تبذل قصارى الجهد للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. ونعتقد أنه من الأفضل لمستقبل إيران أن يكون هناك اتفاق جيد يُرضي المنطقة والعالم والولايات المتحدة.”. فأجاب ترامب: “أنا منفتح تماماً (..) وسيكون من الجميل أن يكون هناك اتفاق مع إيران”.

3– لاحقا وعد الرئيس الأميركي بالتدخل بقوة لوقف الحرب في السودان “لأن وليّ عهد كلمني عن الموضوع وطلب مني التدخل”.

هو رسم لمستقبل الشرق الأوسط يجري بالشراكة الكاملة بين واشنطن والرياض. ينصت الرئيس الأميركي للأمير ويستجيب لما يراه خيرا للمنطقة وللولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة. وفي ثنايا الأمر إقرار بقدرة الأمير على قيادة “رؤية” تريد للشرق الأوسط أن يكون “أوروبا الجديدة”.

تمكنّت السعودية بأن تنال من الولايات المتحدة ما أرادته بتوقيت الرياض. تُبرم المملكة اتفاقاتها الجديدة في مجال الأمن والدفاع والطاقة النووية والاقتصاد والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمعادن الحرجة والنادرة.. إلخ من دون أي إكراهات تقيّد اتفاقاتها مع دول العالم، لا سيما في الدفاع، بما في ذلك مع روسيا والصين وباكستان حديثا.

باتت المملكة على طريق امتلاك تفوّق عسكري متقدّم معزّز بضمانات التحالف مع أميركا من دون ربط الأمر باتفاق تطبيع مع إسرائيل. وبدا أن ترامب نفسه بات مبشّرا بالسلام في الشرق الأوسط وفق الرؤية السعودية.

شرح الأمير محمد المعادلة ببساطة ووضوح: جاهزون لعلاقات مع إسرائيل لكن “نريد أن نضمن مسارا واضحا لحلّ الدولتين”. فرضت الرياض أن تكون دولة فلسطين جزءا من خطة ترامب وقرار الأمم المتحدة الأخير بشأن غزّة. فرضت أن تسقط فكرة الـ “ريفييرا” هناك وأن تسقط فكرة تهجير الغزيين من غزّتهم.

تعترف السعودية بما تملكه الولايات المتحدة ورئيسها من قوة ونفوذ مقرّرين في مسارات العالم لاسيما في الشرق الأوسط. وتعترف الولايات المتحدة أن التغير الذي أحدثته رؤية 2030 التي يشرف عليها ولي العهد السعودي من شأنها تحويل المنطقة برمتها بالاتجاه الصحيح.

بدا الإقبال الأميركي، بقطاعيه العام والخاص وبتقاطع بين البيت الأبيض الكونغرس، باتجاه السعودية مصلحة استراتيجية أميركية بامتياز. وبدا أن فهم المنطقة وسبل مقاربة ملفاتها يحتاج في واشنطن إلى الإنصات بانتباه إلى وصايا الأمير الشاب والتحوّل السريع وفق بوصلتها.

https://anbaaexpress.ma/4ppbe

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى