تعيش وسائل الإعلام الإسبانية منذ أسابيع على وقع حالة استنفار غير معلنة، بعدما بدأت تلمس تحوّلاً عميقاً في كرة القدم المغربية يُنذر بإعادة ترتيب موازين القوى في ضفتي المتوسط.
فوفق تقارير مطوّلة نشرتها صحف بارزة، لم يعد المغرب يُنظر إليه باعتباره منتخب “المفاجأة” الذي أبهر العالم في مونديال قطر 2022، بل بات مشروعاً رياضياً ضخماً يُبنى خطوة خطوة، ويهدف إلى وضع البلاد في مصاف القوى الكروية الكبرى قبل كأسَي العالم 2026 و2030.
وتشير هذه التقارير إلى أن ما يقلق الدوائر الكروية في مدريد وبرشلونة ليس النتائج فحسب، بل البنية المتقدمة التي يشيدها المغرب في مجالات التحليل الرقمي والتكوين.
مصادر داخل الاتحاد الإسباني اعترفت بأن المغرب يستخدم تقنيات مراقبة وتتبع بيانات لا تتوفر حتى لأكبر الأندية الإسبانية، وهو ما جعل إسبانيا “تتحول إلى موقع المُلاحِق بدل المبادِر”، على حدّ وصف بعض الصحف.
هذا التحول يعيد إلى الذاكرة تقييم الأسطورة الأرجنتينية كارلوس بيلاردو قبل نصف قرن، حين أُعجب بالمهارة المغربية خلال كأس محمد الخامس.
واليوم، تبدو نبوءته كما لو أنها وجدت طريقها إلى الواقع: تتويج عالمي لمنتخب أقل من 20 سنة على حساب الأرجنتين، إنجاز تاريخي للمنتخب الأول في قطر ببلوغ نصف النهائي، وسلسلة 18 انتصاراً متتالياً قبل استضافة كأس إفريقيا المقبلة. لكن، في نظر المتابعين الإسبان، هذه الإنجازات ليست سوى مقدمة لما هو أكبر.
وما يعزّز حالة الانزعاج في مدريد هو اعتراف مسؤولين داخل الاتحاد الإسباني بأن المغرب يمتلك منظومة رقمية قادرة على رصد المواهب داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك لاعبين لا يملكون أي ظهور في قواعد البيانات الأوروبية.
شبكة واسعة تمتد إلى الجاليات في هولندا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا نفسها، تسمح بتجميع آلاف المواهب المحتملة ضمن نظام فدرالي صارم يبدأ من الفئات الصغرى وصولاً إلى المنتخب الأول.
الصحافة الإسبانية وصفت هذا النموذج بأنه “آلة كروية كاملة” تُدير التكوين، والمدربين، والمراكز الجهوية، وأنماط اللعب، عبر إستراتيجية موحّدة تُدار مركزياً.
وتُشبه هذه المنظومة، من حيث دقتها واتساعها، التجربة الألمانية بعد 2006 أو النموذج الفرنسي لمركز كلار فونتين، لكنها – وفق التقارير – تتحرك بوتيرة أسرع وتمويل أكبر.
ويقف خلف هذا التحوّل اسم يرد كثيراً في الصحافة الإسبانية: فتحي جمال، الذي يُنظر إليه باعتباره “مهندس التكوين الجديد” في المغرب. رجل ذو خبرة دولية، نجح في إعادة تصميم الهرم الكامل لتطوير اللاعبين، مستفيداً من خبرات أوروبية ومحلية وبرامج ضخمة تستند إلى رؤية واضحة وطويلة الأمد.
وتقول مصادر مطلعة داخل الاتحاد المغربي إن الطموح المعلن اليوم لم يعد يقتصر على بلوغ المربع الذهبي، بل المنافسة الجدية على لقب كأس العالم خلال السنوات المقبلة.
أما الفوز بلقب مونديال الشباب، فهو في نظر الإسبان “إشارة أولى” على أن المغرب بدأ فعلياً في جني نتائج مشروع أكبر بكثير من حدود البطولات المرحلية.
وفي سياق ملف استضافة مونديال 2030 المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، تتزايد التحليلات داخل الإعلام الإسباني حول احتمال أن يصبح المغرب المنافس الأبرز لاحتضان المباراة النهائية، أو على الأقل لفرض وزن أكبر في تحديد مواقع المباريات الكبرى، بالنظر إلى التطور السريع للبنيات الرياضية المغربية.
ما يحدث، في جوهره، ليس مجرد طفرة كروية، بل إعادة صياغة شاملة لهوية كرة القدم في المنطقة. وإذا كانت إسبانيا قد اهتزت بعد صدمة قطر، فإن ما يثير قلقها اليوم يتجاوز خسارة مباراة.. ليصل إلى التخوّف من مستقبل رياضي يُعاد تشكيله جنوباً، حيث يشتغل المغرب على مشروع قد يغير خريطة اللعبة عالمياً خلال العقود القادمة.




