حذّر الاتحاد الإفريقي من خطورة المنعطف الأمني الذي تمرّ به مالي، داعياً المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل ومنسق لمواجهة تصاعد نفوذ جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي باتت تهدد الاستقرار الهش في منطقة الساحل.
وجاء التحذير بعد استعراض جديد للقوة من جانب الجماعة، ما أعاد إلى الواجهة المخاوف من سعيها إلى فرض سيطرة فعلية على البلاد، فيما سارعت دول غربية—بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا—إلى دعوة رعاياها لمغادرة مالي عقب تواتر عمليات الخطف.
ويتزامن هذا النداء مع تحولات خطيرة في تكتيكات التنظيم المتطرف، الذي انتقل من تنفيذ الهجمات المسلحة إلى تطويق باماكو والمدن الرئيسية بحصار اقتصادي خانق عطّل حركة الإمدادات الحيوية، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية. وأعرب محمود علي يوسف، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، عن بالغ قلقه من هذا الانزلاق المتسارع.
وإلى جانب التحذيرات، قدّم الاتحاد خارطة طريق تدعو إلى رد دولي منسق لمجابهة الإرهاب في منطقة الساحل، مع التشديد على أهمية تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول المعنية باعتباره ركيزة لمواجهة الخطر المتنامي. وأبدى الاتحاد استعداده لدعم مالي وجوارها خلال هذه المرحلة الحساسة.
وتثير الأزمة المتفاقمة قلق دول الجوار، خاصة موريتانيا، بعد تقارير تحدثت عن دخول قوات مالية مدعومة بعناصر من “فاغنر” عبر الحدود ووقوع حوادث خطيرة استهدفت مواطنين موريتانيين.
وباتت عمليات خطف الأجانب إحدى أدوات التمويل الأساسية للجماعات المتشددة في غرب أفريقيا، مما يعقّد الوضع الأمني ويجعل الرعايا الأجانب أهدافاً سهلة.
وساهم طرد القوات الفرنسية وانسحاب بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” في خلق فراغ أمني استفادت منه الجماعات المسلحة، وعلى رأسها “نصرة الإسلام والمسلمين” والحركات الانفصالية في الشمال، لتعزيز انتشارها وإعادة تنظيم صفوفها.
ورغم اعتماد السلطات المالية على مرتزقة “فاغنر” ثم “الفيلق الأفريقي” المدعوم من وزارة الدفاع الروسية، فإن المقاربة العسكرية وحدها لم تنجح في وقف التدهور، بل ركزت على المواجهات الميدانية دون معالجة جذور التطرّف.
وتبدو قدرات الجيش المالي منهكة، إذ أصبحت الجماعات المتشددة تحصل على جانب من تسليحها من العتاد الذي تستولي عليه بعد الهجمات على الثكنات والقواعد العسكرية، في ظل خسائر بشرية كبيرة أثرت على معنويات القوات الحكومية.
وامتد نفوذ الجماعة من شمال مالي إلى وسطها وجنوبها، ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر، وتنامت مخاوف انتقال التهديد نحو شمال بنين. كما عزز تقاربها مع حركة “الأزواد” الانفصالية قدراتها وفعالية عملياتها المشتركة ضد الجيش المالي.
ومع توسع رقعة العنف وتراجع قدرة الدولة على ضبط الأمن، تتآكل ثقة المواطنين في السلطة القائمة، فيما يقف المجتمع الدولي أمام مشهد يزداد تعقيداً، ما دفع الاتحاد الإفريقي إلى إطلاق دعوة مستعجلة لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتحرك جماعي يكبح الانهيار المتسارع في مالي.




