في خطوة تعكس تحولا استراتيجياً في خياراتها الطاقية، اختارت إسبانيا فتح مسار جديد لضمان أمنها في مجال الغاز، بعدما عاشت أربع سنوات من الاضطراب وغياب اليقين حول الإمدادات القادمة من الجزائر.
مدريد وجدت في سلطنة عمان شريكاً موثوقاً للمستقبل، لتوقع معه اتفاقاً يمتد لعشر سنوات، جاء بعد أيام فقط من رفض الجزائر إعادة تشغيل أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، رغم الطلب الإسباني الواضح بإعادة تفعيل الخط.
الاتفاق الذي يجمع الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال وشركة “ناتورجي” الإسبانية، يضمن تدفق مليون طن من الغاز المسال سنوياً ابتداءً من 2030، ويتضمن حزمة استثمارات مشتركة، أبرزها بناء سفينة متخصصة في نقل الغاز المسال، إضافة إلى مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية للأنابيب التي تخدم شبكة الطاقة الأوروبية.
وخلال زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى مدريد، أعلنت شركة “أسياد” للشحن ترحيبها بتوقيع أربع مذكرات تفاهم استراتيجية بين البلدين، معتبرة أنها تمثل دفعة قوية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاستدامة والنقل البحري، وهي قطاعات بدأت مسقط تستثمر فيها بثقة كبيرة لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.
ووفق المعطيات الرسمية الصادرة عن وكالة الأنباء العُمانية ووسائل إعلام محلية، فإن الاتفاقيات الجديدة تركز على تطوير مشاريع الغاز الطبيعي المسال والميثانول الأخضر، وهما مجالان يُعدّان محورياً في رؤية عُمان للتحول الطاقي.
أما مذكرة التفاهم مع “ناتورجي” فتُعد الأكثر أهمية، كونها تشكل الأساس لعقد بيع وشراء طويل الأمد للغاز المسال، ما يفتح آفاقاً تجارية واسعة أمام مسقط ويعزز قدرتها على توسيع نشاطها البحري في واحد من أكثر القطاعات نمواً على المستوى العالمي.
الشركة العُمانية للغاز المسال، التابعة لمجموعة “أسياد”، أكدت متابعة التطورات “باهتمام كبير”، وأبدت استعدادها لتوسيع أسطولها البحري المخصص لشحن الغاز، بما يتماشى مع الطلب المتزايد في السوق الأوروبية التي تعيش مرحلة تسارع في استهلاك الغاز المسال، خاصة بعد التحولات الجيوسياسية التي عرفتها القارة منذ حرب أوكرانيا.
هذا التوجه الإسباني نحو الخليج يأتي في ظل ضبابية العلاقات الطاقية مع الجزائر منذ توقف خط الغاز المغاربي الأوروبي سنة 2021، بسبب الأزمة الدبلوماسية مع المغرب.
ومع تقلص الإمدادات، لجأت مدريد إلى تنويع مصادرها، وأعادت تفعيل الخط نفسه بشكل عكسي لاستقبال الغاز من الرباط.
وفي أكتوبر الماضي، كشفت منصة “الطاقة” أن إسبانيا، رفقة عدد من الشركاء الدوليين، عرضت على الجزائر فكرة إعادة فتح الأنبوب المغاربي الأوروبي لتدفق الغاز نحو أوروبا، في خطوة قد تشكل بداية لإعادة الدفء إلى العلاقات مع المغرب. غير أن الجزائر رفضت بشكل حاسم، معتبرة أن أي إعادة تشغيل للخط ستعود بالنفع على الرباط، وهو ما لا ترغب فيه في الوقت الحالي.
بهذا، يبدو أن مدريد تمضي في إعادة هندسة خارطتها الطاقية بعيداً عن الإملاءات الجغرافية التقليدية، باحثةً عن استقرار طويل المدى، وجدته هذه المرة في شراكة مع سلطنة عمان، التي تضع نفسها بثبات ضمن الفاعلين الصاعدين في سوق الطاقة النظيفة والغاز الطبيعي المسال.




