تقاريرسياسة
أخر الأخبار

التحديث العسكري المغربي.. قراءة في التحولات ومصادر القلق الإسباني

تقرير إسباني.. 55 في المائة من الإسبان يرون المغرب التهديد الخارجي الأول لبلادهم، مقابل 33 في المائة فقط يعتقدون أن روسيا تشكّل الخطر الأكبر،.

لم يعد النقاش حول القوة العسكرية في المنطقة مجرد أرقام وتقارير، بل جزءًا من يوميات السياسة بين المغرب وإسبانيا، حيث كل خطوة تعيد فتح أسئلة قديمة وتكشف حساسيات جديدة.

وفي هذا الاطار كشف تقرير إسباني حديث أن التحولات العسكرية التي يشهدها المغرب منذ سنوات لم تعد مجرّد تحديث تقني أو مقتنيات دفاعية جديدة، بل مشروع دولة متكامل يُعاد هندسته في أفق 2030 لبناء منظومة سيادية تجمع بين الصناعة العسكرية والجاهزية العملياتية وامتلاك القرار الاستراتيجي.

التقرير الذي استند إلى معطيات معهد “elcano” الملكي يبرز مفارقة لافتة: 55 في المائة من الإسبان يرون المغرب التهديد الخارجي الأول لبلادهم، مقابل 33 في المائة فقط يعتقدون أن روسيا تشكّل الخطر الأكبر، في انعكاس لصورة ذهنية تتغذى على إرث تاريخي معقّد وملفات حدودية معلّقة وتغطيات إعلامية مكثفة.

ويفسر التقرير هذه النظرة المتوجّسة بمجموعة من الخلفيات تمتد من ملف سبتة ومليلية إلى خلافات الحدود البحرية، وصولاً إلى الذاكرة المثقلة بمعارك القرنين الماضيين، من أنوال إلى حرب إفني ثم أزمة جزيرة ليلى.

كما يلعب عامل الهجرة غير النظامية دوراً جوهرياً في تشكيل أجندة السياسة الإسبانية، بما يجعل المغرب حاضراً في النقاش الداخلي بشكل دائم.

ويرى معدّو التقرير أن الإعلام الإسباني بعناوينه التحذيرية ساهم في تضخيم هذا الانطباع، عبر التركيز على تسارع وتيرة تحديث الجيش المغربي، وهو ما يُقرأ أحياناً في مدريد كاستعداد مفترض لمواجهة عسكرية محتملة في محيط مضيق جبل طارق.

إلا أن هذا التفسير، وفق التقرير ذاته، لا يحظى بالإجماع؛ فجزء من الإسبان يعتبره قراءة مبالغاً فيها، مؤكداً أن التحديث المغربي موجّه أساساً لضبط توازن القوى مع الجزائر وتوسيع الدور الإقليمي في الساحل.

ومنذ سنة 2017، شرع المغرب في تنفيذ خطة استراتيجية لتحديث جيشه، دخلت حيز التفعيل الرسمي سنة 2020، قائمة على التصنيع المحلي وتنويع الشركاء دون التفريط في التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.

ويضع المغرب، كما يشير التقرير، هدفاً محورياً يتمثل في تضييق الهوة العسكرية مع الجزائر، التي تصدّرت سنة 2024 الإنفاق العسكري في إفريقيا بـ21.8 مليار دولار، بنسبة 8% من ناتجها الداخلي الخام، لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد أوكرانيا وإسرائيل.

ويرصد التقرير امتداد الاهتمام المغربي إلى منطقة الساحل، باعتبارها المجال الحيوي للأمن المغربي، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي من مالي والأمريكي من النيجر.

هذا الفراغ خلق فرصة للرباط لتعزيز حضورها، ليس فقط دفاعياً، بل عبر مقاربة متعددة الأبعاد تجعل من التعاون الأمني قاعدة أساسية لشراكات أوسع مع الغرب.

ويعدّ عام 2020 نقطة تحول مفصلية في السياسة الدفاعية المغربية، بعد إنهاء وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام، وما فتحته من آفاق تعاون استخباراتي وتكنولوجي مع شركات إسرائيلية رائدة مثل IAI، بالتوازي مع استمرار التعاون التقليدي مع باريس ومدريد.

كما يبرز التقرير المكانة المتقدمة للمغرب في المناورات الدولية، وعلى رأسها تمرين “الأسد الإفريقي” الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، بمشاركة أكثر من خمسين دولة وعشرة آلاف جندي.

ووفق التقرير، لا ينظر المغرب إلى هذه المناورات مجرد تدريب مشترك، بل كجزء من هندسة علاقة استراتيجية مع واشنطن وحلف الناتو، مستفيداً من وضعه كحليف رئيسي من خارج الحلف منذ 2004.

ورغم هذا التحالف الغربي الواسع، تتجه الرباط إلى تنويع مصادر التسليح، عبر أنظمة دفاع جوّي صينية متقدمة واتفاقيات مع شركات تركية مثل Baykar التي تخطط لإقامة مركز صيانة لطائراتها المسيّرة في المغرب، بما يعزز القدرات اللوجستية والعملياتية ويقلّص الاعتماد الخارجي.

ويثير التقرير سؤالاً جوهرياً حول كلفة هذا التحديث على الاقتصاد المغربي، خاصة وأن حجم الإنفاق الدفاعي بلغ سنة 2024 حوالي 5.5 مليارات دولار، تمثل 34 في المائة من واردات السلاح في شمال إفريقيا بين 2020 و2024، وهي أرقام لا يمكن الاستمرار فيها — وفق التقرير — دون شراكات مالية داعمة من الخليج، وعلى رأسها الإمارات التي تشير التوقعات إلى إمكانية نقل جزء من مقاتلات Mirage 2000-9E إلى المغرب.

ويشرح التقرير أن هذا المسار لم يأتِ من فراغ، بل يعود إلى تطور العلاقة بين المؤسسة الملكية والجيش منذ محاولتي الانقلاب في السبعينيات، مروراً ببناء الثقة التدريجية، وصولاً إلى إعادة الخدمة العسكرية سنة 2019 كآلية لتعزيز الانتماء الوطني وضبط التوازن داخل شريحة الشباب.

ويخلص التقرير إلى أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو بناء جيش عصري قادر على حماية مصالحه في بيئة إقليمية متقلبة، وأن مشروع التحديث العسكري لم يعد خياراً تكتيكياً بل أصبح رؤية دولة تسعى إلى الاستقلالية الاستراتيجية وصياغة موقع جديد في معادلة القوة الإقليمية.

وفي نهاية المطاف فإن التحديث العسكري المغربي ليس تهديدًا مباشرًا، بل إعادة ترتيب لقواعد التوازن الإقليمي، حيث كل خطوة تعكس استراتيجية جديدة وقدرة على ضبط النفوذ والقرار.”

https://anbaaexpress.ma/fsz4l

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى