آراءسياسة
أخر الأخبار

استقلال بلا سيادة.. وسيادة يصنعها الناس

شادي منصور 

هذه السنة نحيي الذكرى الثانية والثمانين لما يُسمّى باستقلال لبنان، استقلال لم ينعم به اللبنانيون يوماً كما يجب، ولم يشعروا لحظة أنّ وطنهم يمتلك قراره الحرّ.

فمنذ لحظة إعلان الاستقلال، عام 1943، كُتب على بلاد الأرز أن تنتقل من وصاية إلى أخرى، ومن احتلال إلى نفوذ خارجي، حتى بات اللبناني يطرح السؤال المؤلم نفسه: هل عاش لبنان فعلاً يوماً واحداً من الاستقلال الحقيقي؟

جزء من أرضنا في الجنوب لا يزال تحت الاحتلال، وسماؤنا وبحرنا مستباحان، وحدودنا مفتوحة أمام التدخّلات، وقرارنا الوطني مرهون بتجاذبات القوى والسفراء والمبعوثين. فلا سيادة على الأرض، ولا سيادة على القرار.

لكن، وفي ظل هذا الفراغ السيادي الكبير، برز استقلال آخر.. استقلال لم تمنحه دولة ولا تفاهمات، بل صاغه اللبنانيون أنفسهم، بصبرهم وإصرارهم، وبجهد فئة آمنت بأن بناء الأوطان يبدأ من الفرد، من العمل، من العطاء، لا من الخطابات والوعود.

هو استقلال الفرد الذي يختار أن يقاوم بطريقته، أن يصمد، وأن يبقى.

استقلال الطبيب الذي يداوي الفقراء، رغم انهيار الدولة وغياب الضمانات.

استقلال الصناعي الذي يخلق فرص عمل للشباب، ويُنتج ويُصنّع في لبنان مهما ارتفعت الكلفة وصعُبت الظروف.

استقلال المزارع الذي يزرع أرضه بعرق جبينه، يقاتل القحط وغلاء الأسعار وانعدام الدعم، لكنه يرفض أن يترك تراب الوطن.

استقلال الفنان والموسيقي والتشكيلي، الذي يحوّل الوجع إلى إبداع، ويجعل الفن وسيلة مقاومة وثبات.

واستقلال كلّ شاب وصبية، كلّ عامل ومعلّم وموظّف ومبادِر، اختاروا البقاء، ورفضوا الاستسلام أو الرحيل، وصنعوا من وجودهم اليومي فعلاً سيادياً حقيقياً.

إن لم يكن لبنان قد نال استقلاله الوطني الكامل، فقد حقّق بفضل هؤلاء استقلالاً من نوع آخر: استقلال الإرادة، والكرامة، والعمل.

لهم جميعاً نقول اليوم: تحية احترام وتقدير.

نشدّ على أياديكم، لأنكم البوصلة حين يضيع الوطن، وأنتم السند حين يتخلّى الجميع.

أنتم الذين تصنعون للبنان معنى جديداً للاستقلال.. استقلال يبدأ من الناس، وقد يكون الطريق الوحيد نحو سيادة حقيقية.. يوماً ما.

https://anbaaexpress.ma/4p3pd

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى