كشفت مصادر سياسية إسرائيلية عن تحركات يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتبكير موعد الانتخابات العامة إلى يونيو 2026، أي قبل التاريخ المحدد قانونيًا في نوفمبر من العام نفسه.
ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يسعى من خلال هذه المناورة الزمنية إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي لمصلحته، مستندًا إلى ما يأمل أن تكون “إنجازات خارجية” قادرة على إعادة ترميم صورته المتآكلة بعد حرب غزة.
ووفق ما بثّته هيئة البث الإسرائيلية “كان”، فإن نتنياهو يعكف على إعداد جدول سياسي متسارع لما بعد الحرب، يقوم على محاولة ترجمة الانفتاح الإقليمي المحتمل إلى مكاسب انتخابية ملموسة.
إذ يطمح نتنياهو إلى إبرام اتفاقيات سلام جديدة مع دول وازنة في العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، بهدف تسويق نفسه كقائد استطاع، رغم الحرب، فتح آفاق جديدة لتطبيع العلاقات.
ويعتبر هذا المسار الدبلوماسي، بحسب مراقبين، بمثابة “خطة إنقاذ سياسية” يسعى من خلالها نتنياهو إلى تحويل الملفات الإقليمية إلى أوراق ضغط انتخابية داخلية.
فالتقرير ذاته يشير إلى أن رئيس الوزراء يرى في اتفاق سلام محتمل مع الرياض “الفرصة الذهبية” التي يمكن أن تقلب موازين القوى لصالحه في أي استحقاق انتخابي قادم، في وقت تبقى فيه احتمالات التوصل إلى تفاهم مشابه مع جاكرتا ضعيفة.
ورغم أن التفاؤل الإسرائيلي يتركز على المسار السعودي، إلا أن العقبات السياسية أمامه تظل عميقة. فالمملكة العربية السعودية جدّدت أكثر من مرة، كان آخرها عبر بيان رسمي لوزارة خارجيتها، موقفها الرافض لأي تطبيع دون قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وهو شرط يرى محللون أنه يشكّل معضلة حقيقية أمام نتنياهو، الذي يترأس أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفًا في التاريخ الحديث.
هذا التعارض الجوهري بين الحسابات الانتخابية لنتنياهو والمحددات السياسية السعودية يضع الأخير أمام معادلة معقدة: فإما أن يُقدم على تنازلات مؤلمة تتناقض مع مواقف حلفائه من اليمين المتشدد، أو يخوض الانتخابات دون “إنجاز تاريخي” يعيد له وهج الزعامة.
ويبدو أن الرجل يراهن على ما قد تثمره التحركات الأميركية الجارية، خصوصًا في ظل جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهادفة إلى فرض تهدئة طويلة الأمد في غزة يمكن أن تفتح الباب أمام استئناف مسار التطبيع.
إلا أن المزاج العام في المنطقة، بعد عام كامل من حرب غزة، لا يبدو مهيّأً لمثل هذه التحولات. فالغضب الشعبي العربي والإسلامي من السياسات الإسرائيلية بلغ مستويات غير مسبوقة، فيما تتزايد الضغوط داخل إسرائيل نفسها نتيجة الانقسامات السياسية، والأزمة الاقتصادية، وتراجع ثقة الشارع بالحكومة.
في هذا السياق، تبدو حسابات نتنياهو محفوفة بالمخاطر.. فهو يسعى لاستثمار “الزمن السياسي القصير” بين نهاية الحرب والانتخابات لتصوير نفسه كمهندس سلام، لكنه في الواقع يواجه مشهدًا إقليميًا ودوليًا يضيق عليه الخناق.
وبين طموح دبلوماسي محفوف بالرفض العربي، وواقع داخلي مأزوم، يجد نتنياهو نفسه أمام سؤال وجودي في مسيرته السياسية.. هل يستطيع تحويل الحرب إلى منصة للفوز، أم أن صناديق يونيو المقبل قد تكون آخر اختبار في تاريخه السياسي الطويل؟




